اختصاصات الجمعية العمومية العادية لشركات المساهمة العامة، كما أشرنا في المقال السابق، تشمل إجازة التقرير السنوي الذي يقدمه رئيس مجلس إدارة الشركة وإجازة تقرير الحسابات الختامية الذي يقدمه مدقق الحسابات الخارجي وكذلك النظر في أمور أخرى محددة مسبقا في أجندة الاجتماع المرسلة مع الدعوة للمساهمين. ومن ضمن هذه الأمور الأخرى الموافقة على براءة أعضاء مجلس الإدارة من المسؤولية.
وبصفة عامة، فإن كل القرارات التي يصدرها هذا الاجتماع المهم تهم الشركة وكل مساهم في الشركة ولكن لقرار براءة ذمة أعضاء مجلس الإدارة من المسؤولية وقعا خاصا ونغما موسيقيا مميزا تطرب له وبصفة خاصة آذان رئيس وأعضاء مجلس إدارة الشركة.
وفق ما ورد في قانون الشركات التجارية فإن المشرع هدف من تحديد هذه الاختصاصات المعينة إلى منح ملاك المال ومساهمي الشركة الحق في تقييم كل ما قام به مجلس الإدارة، بصفته رأس الرمح والمفوض من قبلهم ليكون العقل المدبر لإدارة الشركة، من إنجازات خلال العام المنصرم تنفيذا للمسؤوليات الملقاة على عاتقهم.
وثم النظر في مدى قبولهم لما قام به مجلس الإدارة أو عدم القبول وذلك بعد النقاش الصريح مع رئيس وأعضاء مجلس الإدارة وفي حضور الإدارة التنفيذية العليا للشركة ومستشاريها ومدقق الحسابات الخارجي وممثلي الجهات الحكومية الرقابية المختصة.
وهذا يوم الحساب وكشف المستور ويوم تتحدث الأعمال عن نفسها بدون حسيب، ويا لسعادة أعضاء مجلس الإدارة عند إصدار الموافقة على ما قاموا به تنفيذا لمسؤولياتهم واعتماد التقرير السنوي والحسابات المدققة النهائية، ومباركة الأعمال والأفكار الاستراتيجية والمشروعات التي قامت الشركة بتنفيذها تحت إشراف مجلس الإدارة ومتابعته الحريصة الحذرة… وكرد جميل لهذه الأعمال وحسن إنجازها وبما تم تحقيقه من الفوائد للشركة والملاك وأصحاب المصلحة، يقوم المساهمون باعتماد بند الأجندة الخاص بإبراء ذمة أعضاء مجلس الإدارة من المسؤولية، وفي هذا قمة التتويج والعرفان والتقدير لما قاموا به خلال العام ويمتد هذا ليشمل الإدارة التنفيذية للشركة وكل طاقم العمل من القمة للقاع. والجميع نجح في امتحان آخر العام.
إن إبراء ذمة أعضاء مجلس الإدارة من المسؤولية يعني عدم جواز أو قفل طريق مساءلتهم، من النواحي القانونية، سواء المدنية أو الجنائية بسبب ما قاموا به من أعمال خلال العام المعني. وإصدار هذا القرار المهم، وبصفة عامة، يشكل حصانة قانونية واجتماعية لهم.
ولهذا فمن واجب المساهمين، التريث والتمهل في إصدار قرار إبراء ذمة أعضاء مجلس الإدارة من المسؤولية، خاصة إذا كان لديهم اعتراضات أو تحفظات أو رأي محدد عن أي تجاوزات في الأعمال أو في دور مجلس الإدارة أو أي من أعضاء المجلس.
لأن القرار المناسب بل الأنسب يجب أن يتخذ في هذا الوقت ولا يمكن إرجاع التاريخ إذا ذهب اليوم. ومسؤوليات مجلس إدارة الشركة تنبع بصفة خاصة من قانون الشركات والنظام الأساسي للشركة ولوائحها الداخلية مثل لائحة حوكمة الشركات، هذا إضافة للمسؤوليات القانونية العامة الأخرى التي تشملها كل القوانين السارية والأنظمة ذات العلاقة، بما في ذلك التقيد بالأعراف والتقاليد المهنية والممارسات الإدارية السليمة وفق المعايير المتبعة في كل حالة.
ومن هذا نقول إن الإهمال المتعمد في تنفيذ المسؤوليات والفشل لأي سبب في تحملها والمسؤولية التقصيرية في أداء الواجب المفروض وفق التعليمات والمعايير المتبعة… كل هذا يمنح المساهمون الحق في عدم إبراء الذمة، ويعرض مجلس الإدارة للمساءلة المدنية والمطالبة بالتعويض عن كل الخسائر وما فات من تحقيق أرباح متوقعة.
كذلك فان ارتكاب أي جريمة كالسرقة وخيانة الأمانة والرشوة والاختلاس والتزوير والابتزاز وغيره … سواء بالفعل أو بالمشاركة، يمنح المساهمون الحق في عدم إبراء الذمة، ويعرض مجلس الإدارة للمساءلة الجنائية وتحمل العقوبات الجزائية الناتجة عن ارتكاب هذه المخالفات الجنائية.
وكذلك أيضا فإن تجاوز حدود الاختصاصات والخروج عن خط السير ومخالفة الأعراف والأطر والممارسات المهنية ذات العلاقة وعدم الالتزام بتطبيق المعايير المهنية السليمة يعرض مجلس إدارة الشركة للمساءلة المهنية والإدارية من المساهمين ومن غيرهم…
كل هذه النقاط المذكورة، دون حصر، تقع داخل الاختصاصات العامة المندرجة ضمن مسؤولية أعضاء مجلس الإدارة وعليهم الالتزام التام والدائم بتنفيذها وفق الدرجة والمعايير المطلوبة منهم من كافة النواحي، بما في ذلك القانونية، وبما يحقق تطلعات كل من له علاقة بتنفيذ هذه المسؤوليات والتطلع لتحقق تنفيذها دون تجاوز.
ولهذا فهي مسؤولية جسيمة، لو يعلمون، وكثير من العقلاء يمتنعون عن حملها ويا سبحان الله حملها غيرهم (انهم …). ومن تحمل عبء الرسالة عليه تنفيذها.
ولأهمية الأمر وحساسيته، قام المشرع بوضع هذا الأمر في يد كل المساهمين عبر اجتماعهم العمومي العادي، الذي يعقد خصيصا في آخر العام للنظر في مجمل ما تم من أعمال، وإذا تبين للمساهمين أن مجلس الإدارة بذل الحرص والالتزام في تحمل المسؤولية وقام بتنفيذها دون تقصير وبجهد وفق المقتضي المطلوب مع ضرورة توفر حسن النية لتحقيق الأهداف، فإن عليهم إبراء ذمة أعضاء مجلس الإدارة في هذا الاجتماع حتى ولو حدث إخفاق في أي مشروع أو لم يتم تحقيق أي أرباح لأن هذا قد يكون لأمور خارجة عن إرادة المجلس، وليس كل ما يتمناه الإنسان يجده خاصة الأرباح وتوابعها.
ولا بد من القول إن المسؤولية الملقاة هنا على عاتق المساهمين أيضا كبيرة وعليهم الحرص علي تحمل تنفيذها علي الوجه المطلوب، وكل هذا لضمان استمرار الشركة وفق الأطر القانونية المؤسسية السليمة.
ونلاحظ التباين في أداء المساهمون لهذا الدور، حيث نجد أن بعض مجالس الإدارات في فسحة تامة وكل الأمور بيدهم بينما غيرهم تعرض لمواقف صعبة جدا ولمتابعات قضائية شرسة خاصة تلك التي لم تقم بتحمل مسؤولياتها.
والأمثلة الحية لكلا النوعين كثيرة ولا تحصى، وعلى الجميع سواء من المساهمين أو مجالس الإدارات الاستفادة من مختلف التجارب الإيجابية أو السلبية لأن الهدف المرجو من هذا الوضع هو الارتقاء بالمسؤولية المؤسسية في كافة الشركات لتحقيق الفائدة للجميع. وهناك سائل وهناك مسؤول والكل في (المركب) نفسه وإذا حدث عطب أو إخلال فالجميع سيغرق ولا ينجو أحد، والعكس صحيح…
نقلا عن عُمان