استعادة قطاعنا الزراعي

27/08/2014 2
د. إحسان بوحليقة

حدثتكم بالأمس عن الزراعة وكيف أن "الشريك" لم يعدّ مزارعاً مواطناً، بل وافداً يتاجر بمحاصيل النخيل، فيأخذها من صاحب المزرعة ويعرضها على التجار في السوق، كما أن مَنّ يسيطر على حلقات الأنشطة اللوجستية المتصلة برعاية المزارع والنخيل هي تشكيلات من العمالة الوافدة، وهكذا فالجزء الأهم من سلسلة القيمة للزراعة السعودية أصبحت خارج نطاق "اقتصاد السعوديين"، وسلسلة القيمة -كما هو معروف- هي مجموعة الخدمات والمنتجات ذات الصلة بتطوير وتحريك المنتج من المزرعة ليد الزبون المستهدف، فالمالك له قيمة المحصول، دون أن يمتلك خيارات كثيرة في قبولها بسبب أن التجار الزراعيين الوافدين يسيطرون على السوق، بمعنى أنه إن لم يقبل بالسعر المعروض فالاحتمال وارد ألا يجد من يعرض عليه سعراً أفضل، أما إذا أصرّ المالك أخذ محصوله للسوق فعليه تحمل مصاريف النقل والتخزين وترجيحات الربح والخسارة!.

وعند النظر للتجار الزراعيين الوافدين تجدهم يعملون بقدر هائل من التنسيق والتعاون والترابط فيما بينهم، بما يجعل وضعهم التنافسي أفضل وقوتهم التفاوضية أمضى بكثير مقارنة بملاك الحيازات الصغيرة والمتوسطة، ويبدو أن أحد الأسباب هو أن التجار الزراعيين الوافدين يعملون وفق صيغة تعاون وتآزر فيما بينهم، في حين أن أصحاب الحيازات يعملون فرادى، مما يمكن المزارعين الوافدين من تسويق منتجاتهم وخدماتهم والاستفادة من كل حلقات سلسلة القيمة، في حين أن مالك المزرعة ليس لديه تلك الميزة، مما يجعله في وضع المضطر للتعامل مع "التكتل الزراعي الوافد" بصورة أو بأخرى، في حلقة أو أكثر من حلقات سلسلة القيمة مقابل دفع تكلفة عالية تؤثر على أي ربح، وقد يصمد لموسم أو اثنين ثم يكتشف المالك أن العملية "ما تخارج" أو "ما تسوى التعب" فيضطر للاستسلام والتعامل مع أحد التجار الزراعيين الوافدين، ليرى بأم عينه كيف أن الإنتاج يتضاعف وأنه يحصل على النزر اليسير من الأرباح! وقد يخفف من شعوره بالغبن أن جُلّ جيرانه ومعارفه من أصحاب النخيل قد سبقوه في قبول ما قد قبل به مؤخراً!.

ما الحل؟ هناك من يقول إن السبب هو ندرة العمالة الزراعية في البلاد، وهذا ما يظهر على السطح، فعدد العمالة الزراعية الوافدة كبير يتجاوز نصف مليون، لكن شريحة مهمة منها مستقطبة لا تعمل -حقيقة- لكفلائها الرسميين بل للتجار الزراعيين الوافدين، وعليك ملاحظة أن هؤلاء لا يتاجرون فقد بالتمور بل بالخدمات ذات الصلة كذلك، فمثلاً نحن حالياً على مشارف موسم "الصرام" (جني محصول النخيل من التمور)، وستجدهم -أو ممثليهم- يزورون النخيل ليعرضوا خدماتهم المتنوعة، والتي تتراوح بين مجرد جني المحصول، أو استكمال الخطوات الخدمية بعد ذلك أو حتى تصريفه أو شرائه!.

أعود لأسأل ما الحل؟ لنتناول التشوه أولاً، وهو تحول العمالة الوافدة إلى تجار ومضاربين في القطاع الزراعي ولا سيما التمور، فهل هذا نشاط مرخص؟ بالتأكيد هم لا يعملون وفق ترخيص من هيئة الاستثمار مثلاً، بل وفق الصيغة التقليدية، أي لديهم "كفلاء" وكفى.

إذاً هم يستطيعون وعلى الرغم من عدم امتلاكهم للتراخيص أن يتاجروا بمنتجات وخدمات وأن يمارسوا أنشطة وأن يبنوا تحالفات تمنحهم ميزة تنافسية!، وليس القصد هنا بيان أنهم لا يملكون تراخيص، بل إنهم يستقطبون العمالة الوافدة لتعمل لحساب التجار الزراعيين الوافدين!

ففي ذلك مصلحة مالية لهم وللعامل الوافد، الذي يمكن أن يضاعف دخله نتيجة للانضمام لهم بصورة أو بأخرى. وهكذا، يمكننا القول إن علينا النظر ليس للسطح فقط، فالصعوبة في قطاع الزراعة ليست نقص عمالة بل كيف تدار الأنشطة في هذا القطاع ومن هي الأيدي المؤثرة؟

ثانيةً، ما الحل؟ لدينا حلول مطروحة منذ الأزل، لكنها لا تطبق أو تطبق على نطاق ضيق، ولعل أبرز عناصر الحل:

(1) ضبط نشاط العمالة الوافدة لتبتعد عن التجارة وتلتزم بالعمل مقابل أجر، إلا إذا امتلكت ترخيصاً نظامياً من الجهات الرسمية، وتجدر الإشارة أن الدعوة لضبط نشاط الوافدين في قطاع الزراعة حَرِّيةٌ أن تؤخذ بكثير من الصرامة والمثابرة؛ والسبب سيطرتهم المطبقة على القطاع.

(2) تأسيس الجمعيات التعاونية الزراعية للملاك وللخدمات وللتسويق ولكل نشاط أو حتى جزء من نشاط، والسعي لنشر هذه الجمعيات في المناطق الزراعية في المملكة، ومن المفيد التذكير أن الحكومة تدعم الجمعيات التعاونية دعماً مالياً مباشراً من مراحل ما قبل التأسيس وحتى ممارسة النشاط، ولا بد من الإقرار أن استعادة القطاع الزراعي ليولد فرص استثمار وعمل لأبناء الوطن لن يكون سهلاً، فالتحالفات التي شكلها التجار الزراعيون الوافدون مع مرور الزمن قامت على هيكل مصالح مواز، فهناك شبكة من أصحاب المصلحة سيدافعون باستماتة للحفاظ على الوضع الحالي؛ حفاظاً على مكاسبهم، فمن أين نبدأ؟

بمزيد من التأشيرات، أم مزيد من فرض النظام، أم تهشيم طفيليات أنهكت كل مستثمر في القطاع الزراعي ونفرت كل مواطن من امتهان الزراعة؟.

نقلا عن اليوم