يزداد الطلب في المملكة على الطاقة بوتيرة متسارعة بسبب زيادة عدد السكان وارتفاع مستوى المعيشة والنهضة الصناعية والحاجة الماسة لتحلية المياه، ويتم حالياً تلبية الارتفاع الكبير بالطلب على الكهرباء والوقود للتحلية وللصناعة باستهلاك كميات هائلة من الغاز الطبيعي والنفط ومشتقاته، وقد وصلت كميات استهلاك المملكة للوقود الاحفوري لتوليد الطاقة الى حوالي مليوني برميل نفط مكافئ باليوم، وتبلغ تكلفة وقود النفط ومشتقاته والغاز الطبيعي المستخدم في توليد الطاقة بالمملكة حوالي 200 مليار ريال سنوياً (حوالي 150مليار ريال تخصص كمعونة وقود لتوليد الكهرباء)، ويجب ان لا يغيب عن البال ان عدد السكان في ارتفاع، وأن فاتورة الطاقة في ارتفاع ايضاً وقد تصل الى حوالي 260 مليار ريال بحلول عام 2025م، هذه الارقام تقريبية ولكنها ليس بعيدة عن الواقع او المنطق في ظل انتهاج نفس السلوك الحالي في استهلاك الطاقة في المستقبل.
ولذلك يتبادر الى الذهن سؤال كيف نحمي ثروة المملكة من النفط والغاز من الهدر؟.
يبدو أن الحل يكمن في تطبيق برنامج مزيج الطاقة المتنوع بدل التركيز على استهلاك النفط والغاز فقط، وتعتمد تقريباً جميع دول العالم على مزيج متنوع لتوليد طاقتها حتى لو كانت غنية بمصادر الطاقة الهيدروكربونية، فكما هو معلوم ان روسيا وايران تملكان اكبر احتياطي للغاز الطبيعى (المصدر المثالي لتوليد الطاقة) في العالم، وهما يعتمدان على الطاقة النووية بشكل متزايد، ولقد توصلت مدينة الملك عبد الله للطاقة الذرية والمتجددة إلى أن النفط والغاز سيشكلان العنصر الاهم في مزيج الطاقة المستهدف في المملكة لعام 2032م، تدعمهما الطاقة الذرية والطاقة الشمسية وطاقة الرياح، وذلك على أساس ما يلي: النفط والغاز الطبيعي 60 جيجاواط والطاقة الذرية 17،6 جيجاواط والطاقة الشمسية 41 جيجاواط، 9 جيجاواط من طاقة الرياح، وتتماشى هذه الخطط مع توصيات تقرير حديث للأمم المتحدة بشأن التغير المناخي، أكد على ضرورة تجنب استخدام الوقود المرتكز على الكربون مثل النفط والفحم.
لقد ساهمت كارثة فوكوشيما بتقليص انتاج الكهرباء من المحطات النووية في العالم ما بين 2010م وعام 2012م بحوالي 10% لمصلحة الغاز الطبيعي والفحم الحجري، ولكن شهد العام 2013م تراجعاً ملحوظاً لتأثير فوكوشيما، حيث بدأ عداد مشاريع الطاقة النووية بالارتفاع، وارتفع عدد مشاريع الطاقة النووية في عامي 2012م و2013م الى 17 مشروعاً تحتضن 72 مفاعلاً نووياً قيد التشييد، ولقد اقتصر تأثير فوكوشيما السلبي على اغلاق 8 مفاعلات في المانيا و50 مفاعلا في اليابان التي تحاول جاهدة حالياً إقناع الرأي العام لقبول تشغيل بعض المفاعلات التي اجتازت شروط السلامة؛ وذلك من اجل تخفيف التكاليف العالية التي تدفعها اليابان لشراء الغاز الطبيعي، وعلى الرغم من ان ثلاثة بلدان اوروبية هي المانيا وبلجيكا وسويسرا قررت التخلي الكلي عن انتاج الطاقة من المحطات النووية نجد في المقابل ان روسيا والصين والهند تسعى جاهدة لزيادة قدراتها لتوليد الكهرباء من الطاقة النووية، اما الامارات وروسيا البيضاء فهما في مرحلة تشييد أولى المحطات النووية، ونجد ان مشاريع الطاقة النووية في طور التخطيط المتسارع في فيتنام وتركيا، وفي الاردن تم مؤخراً توقيع اتفاقية مع شركة روسية لتشييد اول محطة نووية بالبلاد.
وعلى المستوى العالمي يتوقع ان يشهد الطلب على الطاقة النووية ارتفاعاً قوياً، فبعد ان شكلت الطاقة النووية حوالي 3% من اجمالي الانتاج العالمي للطاقة في عام 2010م، تتوقع شركة اكسون ان ترتفع هذه النسبة الى حوالي 9% بحلول عام 2040م، واما النمو في توليد الطاقة المتجددة مثل الطاقة الشمسية والرياح والوقود الحيوي فيتوقع ان يرتفع الى 4% من اجمالي الانتاج العالمي للطاقة بعد ان كان 1% في عام 2010م، ويبقى ان نعلم ان الطاقة الشمسية هي الاقل حظاً بين كل المصادر المتجددة كالرياح والطاقة الكهرومائية والوقود الحيوي.
ولكن يبقى التحدي الاكبر لمشاريع الطاقة النووية في القبول الشعبي وفي التمويل المالي لهذه المشاريع الباهظة التكاليف الانشائية وفي عوامل السلامة، فمشاريع الطاقة النووية تحتاج لرؤوس اموال عالية جداً ولكنها تتميز برخص التكاليف التشغيلية مقارنة بمشاريع الطاقة الاخرى، ففي المملكة المتحدة على سبيل المثال، تم التغلب على مشكلة تمويل اول مفاعل يشيد بالبلاد منذ 20 سنة باعتماد اسعار مضمونة وثابتة للكهرباء، وحتى في روسيا تم ترتيب وعمل آلية بحيث يتم دفع قيمة الكهرباء المحددة ولمدة زمنية طويلة مباشرة من المشتركين الى الشركة او البنك الممول، ويمكن ان يقوم بنك ما في بلد معين بتمويل بناء هذه المحطات ومثال على ذلك قيام الصين بتقديم قرض لباكستان بقيمة 6،5 مليار دولار لبناء مفاعلين نووين لانتاج الطاقة، واما القبول الشعبي فيختلف من بلد لاخر، فعلى سبيل المثال لا يوجد الكثير من الممانعة في بريطانيا وامريكا، ولكن لا يوجد قبول شعبي مشجع في اليابان وكوريا الجنوبية، حيث لا تزال آثار فوكوشيما حاضرة بالاذهان، اما عوامل السلامة فلقد ارتفعت معايير السلامة كثيراً بعد حادثة فوكوشيما وأصبحت المحطات النووية اكثر امناً.
ولقد ادركت المملكة حجم التحديات المستقبلية التي ستواجهها مستقبلاً بسبب الارتفاع الكبير بالطلب المحلي على الطاقة، ولذلك تم إنشاء مدينة الملك عبدالله للطاقة الذرية والمتجددة في عام 2010م، بهدف بناء مستقبل مستدام للمملكة من خلال إدراج مصادر الطاقة الذرية والمتجددة ضمن منظومة الطاقة المحلية، وفي عام 2011، تم الإعلان عن خطط لإنشاء ستة عشر مفاعلاً للطاقة النووية على مدى العشرين عاماً المقبلة بتكلفة تبلغ أكثر من 80 مليار دولار.
ومن المتوقع ان تنمو قدرة المملكة لتوليد الكهرباء من 70 جيجاواط لتصبح حوالي 120 جيجاواط بعد حوالي 18 سنة، ولكن اذا حل عام 2032م واستمرت موراد الطاقة لدينا مقتصرة على النفط والغاز الطبيعي فهذا يعني ان قدرة المملكة على تصدير النفط ستنخفض بسبب نمو الاستهلاك المحلي وهذا العامل سيؤثر بصورة ملحوظة على مصادر الدخل، الأكيد ان المملكة بأمس الحاجة لتطبيق مزيج الطاقة حتى لا تستهلك كميات كبيرة من النفط والغاز الطبيعي، ويمكن العمل على تشييد المحطات النووية على مراحل، خاصة ان معظم دول الجوار أعدت خططاً لذلك، وبعضها بدأ بالانتاج مثل إيران، والدول الاخرى في مرحلة البناء مثل الامارات والبعض الآخر في مرحلة التخطيط مثل الأردن ومصر.
نقلا عن اليوم
شكرا على المقال وبالنسبة لحاجة المملكه للطاقه النوويه فهذه ما يبي لها نشدة شيخ بس عساهم يوافقون اصحاب التقنيه واصحاب القرار للموافقه على بنائها في المملكه