عرج الكثير ممن يضعون اللوم على التخلف التنموي وتزايد الفقر بربط ذلك بغياب الديمقراطية، وكان أول من تبنى ذلك مثقفو الولايات المتحدة قبل غزو العراق وأيدهم كثيرون من مثقفي الشرق والسعودية، وكان يبدو من يتبنى ذاك الشعار أن يُنظر له كمثقف ذي اطلاع ومتابعة للثقافة الغربية وأغلبهم لا يزالون على نفس الموقف والمطالبة بحكم تيارات متوترة أسقطها الشعب مثل الإخوان بحجة أن البديل عسكري وكان عبر تدخل الجيش.
لن أخوض في التفاصيل الضيقة لهم فقد سبق أن كتبت مقالا هو (ما المشكلة أن يحكم السيسي..إنه الاقتصاد يا أخي) ولكن أذهب للصورة الكبيرة لربط التنمية بالديمقراطية هذا التصور الذي لا يزال راسخا دون تحليل في أذهاننا ليزايد عليه الكثير..السبب أن الدول التي انتصرت في الحرب العالمية (باستثناء الاتحاد السوفياتي) كانت ديمقراطية ثم شهدت نموا اقتصاديا مستمرا حتى السبعينيات الميلادية مصحوبة بطفرة تقنية عالية.. ظهرت الراديوهات والتلفونات وجهاز التلفاز.. طفرة بكل المعايير لدرجة أن أرقام العاطلين في الدول الغربية انخفضت إلى مستوى أقل من واحد بالمئة إلى 4% كحد أقصى.. لكن هذه الفترة الذهبية اصطدمت بالتضخم في السبعينيات ونتج عن ذلك تآكل النمو مثلا في فرنسا حيث كان معدل النمو السنوي 5% بين الخمسينيات والسبعينيات قياسا بنمو الفترة التي لحقتها حتى التسعينيات حيث صارت 2% والآن النمو شبه منعدم، وألمانيا كذلك لنفس الفترة وسلمت من ذلك الهبوط القوي بريطانيا وأمريكا بفضل سياسة المرأة الحديدية وريجان لتحطيم قوى النقابات والتي كانت تطالب برفع الأجور وبالتالي تعاظم تكاليف المدخلات برغم أنه كان في ذلك مسّ بحقوق الفرد والدخل.
انتقل النمو بعد ذلك لدول لا يوجد بها ديمقراطية مثل الصين وكوريا الجنوبية والتي خضعت لحكم ديكتاتوري انتقالي، أو مشكوك في ديمقراطيتها مثل تايوان التي يتبادل حكمها زملاء الحزب الواحد وكذلك ماليزيا وسنغافورة حيث يرث رئيس وزرائها الحالي والده رائد التنمية هناك.
لا يفهم من حديثي بأن الأنظمة الاستبدادية ناجحة دائماً فهذا غير صحيح والدليل وطننا العربي وأفريقيا لكن في المقابل هو دينامكية النظام وقوة القانون وعدم السماح للمال الأجنبي بالتأثير على القنوات الإعلامية أو التوغل في مواقع التواصل الاجتماعي للعبث بسيادة وأمن الدولة والأهم الاستثمار في التعليم والمعرفة لصنع تنمية قادرة على رفع الدخل للفرد وتحسين قدراته والبيئة الطبية التي يتواجد بها مع ربط التنمية بتقليص الفوارق الاجتماعية نسبيا وهذا ما حدث في تلك الدول غير الديمقراطية حيث لم تكن الديمقراطية قادرة على صنع ذلك لهم.
نقلا عن الرياض
مقال ما تدري ويش يقول ! ما فهمت شي