الدول المصدرة للنفط وتحديات دعم الطاقة

19/08/2014 0
د. سليمان الخطاف

تعد أسعار المشتقات النفطية المحلية من أكبر المشاكل والتحديات التي تواجه الدول المصدرة للنفط. وتدعم العديد من هذه الدول أسعار الوقود؛ للتخفيف على الناس، ولكن مع مرور الزمن بدأ يتحول هذا الدعم الى صداع وهدر يؤرق هذه الدول.

وبدأت تطفو مشاكل من جراء هذا الدعم، مثل: عجز اقتصادى، أو تسارع استهلاك النفط محلياً، بالاضافة الى الآثار السيئة على البيئة نتيجة الاستهلاك الجائر للنفط ولمشتقاته.

ولأجل ذلك بدأت معظم هذه الدول بالتفكير الجدي بتصحيح سياساتها اتجاه دعم الوقود. والجدير بالذكر أن قيمة دعم الطاقة في بعض هذه البلدان تصل إلى حوالي 20% من دخل الدولة.

ووفق تقرير صدر مؤخرا لصندوق النقد الدولى فلقد بلغ اجمالي الدعم الحكومي لاستهلاك الطاقة في دول الشرق الأوسط نحو 237 بليون دولار في 2011، وهذا يعادل حوالي نصف ما يتم دعمه فى كل دول العالم للطاقة.

وتتوزع نفقات دعم الطاقة لدول المنطقة كالآتي: 204 بلايين دولار للدول المصدرة للنفط و 34 بليون دولار للدول المستوردة للنفط. وتبلغ نسبة الدعم وفق أنواع الطاقة 50.4% للمنتجات البترولية و26.2% للكهرباء و23.4% للغاز.

بدأت كثير من دول الشرق الأوسط تعاني مشاكل اقتصادية حقيقية؛ بسبب دعم الطاقة. ولقد خفضت مصر مؤخرا دعم الوقود الذى تبلغ ميزانيتة حوالي 20 بليون دولار سنوياً وتم خفضها الى 14 مليار دولار.

وهذا القرار رغم صعوبته على المصريين، إلا أنه أفضل الحلول، إذ أن البديل كان الاقتراض من الخارج وتحميل البلد اعباء اقتصادية هو في غنى عنها.

وتعتبر فنزويلا من أكبر دول العالم من حيث الاحتياطيات المؤكدة للنفط ولقد شهد انتاجها مؤخرا انخفاضاً بحوالي نصف مليون برميل باليوم منذ 2006م. وارتفع فى نفس الوقت الاستهلاك المحلى من 500 ألف برميل باليوم إلى 800 ألف برميل باليوم.

وهذا أدى إلى تقليص الكميات المصدرة من فنزويلا بحوالي 0.75 مليون برميل باليوم. ويعزى الارتفاع الكبير فى الاستهلاك الى رخص اسعار المشتقات البترولية حيث تعد فنزويلا صاحبة أرخص سعر وقود بالعالم.

فلقد وصل سعر ليتر البنزين فى فنزويلا إلى حوالي 4 هللات وفى كولومبيا البلد الجار وصل الى 4.7 ريال لليتر (اعلى بحوالي 117 ضعفا) وهذا ما سبب قلقاً ومشاكل اقتصادية شتى لفنزويلا مما جعلها تغلق حدودها ليلاً مع كولومبيا؛ لمحاربة تهريب البنزين والذى أصبح تجارة رائجة ومربحة.

ووفقا لأرقام حكومية، فإن أسعار الوقود الرخيصة تكلف فنزويلا خسائر قدرها 12.5 مليار دولار سنويا. وتفكر الحكومة جدياً برفع أسعار البنزين لمحاربة آفة التهريب، وفي هذا الاطار قال السيد راميريز رئيس شركة النفط الفنزويلية «يجب أن تجرى مناقشة حول زيادة السعر، نحن البلد الاعلى استهلاكا للبنزين من حيث نصيب الفرد ولدينا أدنى أسعار للبنزين في العالم هذا شيء لا يمكن تبريره، ملء خزان وقود السيارة ارخص من شراء سيجارة».

وفي المملكة، يبلغ مستوى استهلاك الفرد للنفط حوالي 37.5 برميل سنوياً، وهي من أعلى النسب بالعالم، ويرتفع معدل الاستهلاك المحلي للنفط بحوالي 7% سنوياً بينما يبلغ معدل زيادة السكان حوالي 3.2% سنوياً. ويبلغ سعر البنزين بالمملكة حوالي 0.5 ريال لليتر، وفي الإمارات السعر أعلى بحوالي ثلاثة أضعاف، وفي اليمن 3.5 ضعف، وفي الأردن حوالي 9 أضعاف.

وبلا شك فإن أسعار البنزين في المملكة أرخص من كل الدول المجاورة. أما بالنسبة لأسعار الديزل في المملكة فهي حوالي 0.26 هللة لليتر، وهي أقل بمراحل من كل الدول المجاورة (أقل بحوالي 9 أضعاف من الإمارات و14 ضعفا من الإردن).

وأما الإمارات، فعلى الرغم من أن دعم الوقود ليس كبيرا ومؤثرا، إلا أن لجنة سياسات الطاقة المنبثقة عن وزارة الطاقة في الإمارات قد رفعت مؤخرا توصياتها بضرورة إعادة النظر في حجم الدعم، رغم أن هذا الدعم لا يتعدى 13 مليار ريال سنوياً. وذلك نظراً لزيادة عدد السكان ونمو أعداد تسجيل السيارات الذي سيرفع من فاتورة الدعم مستقبلا، ما يتوجب التدخل مبكراً لخفض هذه الفاتورة.

واقترحت اللجنة خفض نسب الدعم على المدى الطويل، وتحويل قيمة الدعم المالي الذي تم تخفيضه، لاستثمارها في مشاريع بنى تحتية وخدمية مباشرة تعوض المستهلك عن هذا التخفيض، ومن أهمها: مشاريع منظومة المواصلات العامة. كما تشترط قبل خفض دعم الوقود توفير البدائل لمالكي السيارات: كإنشاء منظومة نقل عام متكاملة.

لا شك في أن دعم أسعار المحروقات في الدول المصدرة للنفط، هي من أهم المشاكل التى تواجهها، ولقد حذر صندوق النقد الدولي من تفاقم الوضع فى الدول الداعمة لاسعار المشتقات. وبكل تأكيد فان تسارع الاستهلاك المحلي غير المرشد، هو أحد أهم ثمرات هذا الدعم.

وفي هذا الإطار يرى صندوق النقد الدولى أنه على الرغم من ان هدف دعم الطاقة هو توفير الوقود باسعار تكون في متناول الجميع، ولا سيما الفئات الأقل دخلا، غير ان هذا الشكل من الحماية الاجتماعية هو فى الواقع حماية للاغنياء، وأما الفقراء فهم لا يحصلون في نهاية الامر الا على نسبة بسيطة من الدعم.

فعلى سبيل المثال ينال أفقر 20% في بلدان الشرق الاوسط حوالي 7% فقط من دعم البنزين بينما ينال اغنى 20% حوالي 40% من الدعم الموجه للبنزين، ولذلك نستطيع ان نلاحظ ان الدعم غير الموجه لا يساعد على تحسين الحالة الاجتماعية للمواطنين؛ لان معظم المستفيدين منه هم غير المحتاجين له.

وعلى سبيل المثال تصرف مصر على دعم الطاقة سبعة أضعاف ما تصرفه على الصحة. ولو تخيلنا لوجدنا ان الفقراء هم من يحتاجون الى مرافق الدولة الصحية اكثر من الاغنياء الذين يملكون القدرة على العلاج في المستشفيات الخاصة.

وبحسب صندوق النقد الدولي أيضاً ينظر بعض الناس في الدول المصدرة للنفط إلى اسعار الطاقة المنخفضة فيها على انها ميزة من حق المواطنين. ولكن الغريب ان معظم دول الخليج يوجد بها عمالة اجنبية تقدر ما بين 30%-100% من عدد سكان المواطنين. وبهذا اصبحت اسعار الطاقة المنخفضة هدرا للموارد؛ لأنها ترفع من وتيرة الاستهلاك وبالتالى تصبح مصدرا رئيسا للتلوث.

وفي الختام، لقد أشبع موضوع دعم الطاقة بكافة أنواعها بحثاً، ولقد حان الوقت لاعطاء الدعم الجزيل إلى من يستحقونه. وقد يحتاج ذلك إلى إنشاء أجهزة جديدة لدراسة كيفية القيام بذلك وملاحظة تغير نمط الاستهلاك المحلي، وأما ظاهرة التهريب فسوف تختفي إلى الأبد.

وحتى تلوث الأجواء، فسيؤدى انخفاض الاستهلاك إلى محاربة الانبعاثات الكربونية الناتجة عن حرق الوقود. وقد أشارت وكالة الطاقة الدولية إلى أن التخلص من دعم الطاقة كفيل بتقليص الانبعاثات الكربونية بالعالم بحوالي 6% بحلول عام 2020م.

ولقد اجمعت الهيئات ومراكز البحث والمنظمات المختصة ان دعم الطاقة ليس الحل الأمثل لدعم المواطنين، لذلك فإن معظم دول العالم أعلنت وأعدت خططاً مستقبلية؛ للتخلص التدريجى من عبء وإرث دعم الطاقة، واستبداله بدعم المواطنين المستحقين بشكل مباشر.

نقلا عن اليوم