المتابعون لأحداث الحرب الاقتصادية بين الولايات المتحدة ودول الاتحاد الأوروبي ضد روسيا وما حدث من تصعيد يقلق نسبيا المتابعين للاقتصاد الأوروبي أحد أركان الاقتصاد العالمي باعتبار روسيا أحد أكبر الأسواق المستورة لدول الاتحاد الأوروبي، وبعد الأحداث الأخيرة لتوقف استيراد الغذاء من دول الغرب وتوجه روسيا للاستيراد من دول أمريكا اللاتنية وعلى رأسها البرازيل والتي أظهرت استعدادا مبدئيا لتوريد أغلب أنواع اللحوم لروسيا التي تعد خامس أكبر مستورد في العالم لمنتجات الزراعة بما يشكل 2% من الحجم العالمي حسب إحصائيات منظمة التجارة الدولية في العام 2012 حيث تشكل السلع الغذائية المستورة حوالي 40% من مجموع الاستهلاك المحلي في روسيا.
ترون من هذه الأحداث كيف تظهر روسيا قوتها وأنها أكبر من قوانين العالم الذي يجب أن يقبل ويتعاون ولا يهدد بلداً ينتج قرابة 11.5% من الاستهلاك العالمي للنفط ويورد ثلث الاستهلاك الأوروبي للغاز، ويملك أكبر ترسانة نووية وبنية تحتية كفؤ للصناعات الثقيلة العسكرية من صواريخ وطيارات ودبابات.. لكن مشكلة روسيا رغم هذه القدرات أنها لا تعد دولة من مصاف العالم المتقدم والمشكلة هي الثقة بينها وبين الغرب كلما توجهت روسيا لطلب استثمارات أجنبية مصحوبة بالمعرفة والتقنية ماطلت الشركات الغربية في المطالب والمميزات برغم التعاون الروسي من أحد أكبر شريكاتها "جازبروم" والتي لها تعاون كبير مع شركات أوروبية من أجل التقنية والمشاريع المشتركة وفي نفس المضمار تريد روسيا أن تتملك الاستثمارات الأجنبية أو المحلية "المشبوة" لتصنع قوة اقتصادية سياسية تسيطر على الحركة السياسية وتطرح فسادا عاما كما حدث في دول أمريكا اللاتنية والتي هي غنية بالموارد الطبيعة والتي حرم من خيرها المواطنون بسبب تملك الإقطاعيين لتلك الخيرات وشرائهم لرجال السياسة فأصبحت الديمقراطية شراً على أهل تلك الدول وقد تكون دورس أمريكا اللاتنية هي ما دفعت المؤسسة المخابراتية هناك لطرح بوتين الرجل القوي الذي حطم معسكر "بريماكوف" وأعوانه وانتزع الرئاسة من "يلتسن" السكير بعد أن اشترت أموال الإقطاعيين الصحفيين والمثقفين باسم الحرية مع شركة النفط.
مع مجئ بوتين وإيقافه لبعض مظاهر الفساد وبتر التمويل الخارجي للسيطرة على الإعلام وتدمير هيبة الدولة -مثلما ترونه اليوم في مصر وتونس- وقبل كل ذلك إعادة موارد الدولة التي بيعت بمنتهى الإفراط، المشكلة الثانية التي تعيق بوتن وروسيا من التحول لدولة متقدمة هي التلاعب بأمنه الجيوسياسي لمناطق روسيا هي من أنفق على بنئها مثل جورجيا واليوم القرم والتي تعيد روسيا إلى الخلف والعناد وليس للتنمية والتقدم حيث لا يزال نمو الاقتصاد الروسي أقل من 1% ربعياً.
لكن اليوم روسيا تحاول أن توجع الغرب عبر تقليص الصادرات الأوربية واستبدالها بلاتينية وتعويض التقنية الأوروبية بالمحلية لتوضح لدول أوروبا أن من يدفع الثمن مع روسيا هي أيضاً دول أوروبا التي قد تخسر الفضاء الروسي كمعبر لطائراتها، قد يجعل كل ذلك أوروبا تعيد حساباتها، ولكن ماذا عن التحدي الأكبر الروسي للتحول إلى دولة متقدمة متى يحسم، قد تنتهي الأزمة ولكن روسيا لم تصل إلى طريق التنمية لذلك روسيا قوية ولكن حائرة.
نقلا عن الرياض