محاكمة «ساند»

12/08/2014 11
د. إحسان بوحليقة

مع كتابة هذه الأسطر أصبح "ساند" من المشاهير عندنا رغم أنه ما زال يحبو؛ فقد ملأت التعليقات بشأنه قنوات الإعلام المحلي التقليدي والجديد، وأبدى وجهة النظر حوله أشخاص من كل الاتجاهات والتوجهات؛ منها ما سعى لقولبة "ساند" كونه أداة من أدوات استباحة مال الموظف. وبعيداً عن العواطف الجياشة، يمكن النظر له من جانبين، باعتبار وظيفة "ساند" ومهمته، وباعتبار مصادر تمويل "ساند".

الجانب الأول: ما أهمية "ساند" من حيث الوظيفة؟ المهمة الأساس لـ"ساند" هي حماية الموظف في حال التعرض للتعطل لأسباب تتعلق إجمالاً برب العمل، كأن تفلس المنشأة أو تقلص نشاطها.

حالياً، سيجد الموظف نفسه في الشارع وبدون دخل البتة، ومهمة "ساند" توفير دخل -راتب- لهذا المتعطل. هذه هي الوظيفة الأساس لـ"ساند".

وعلينا ملاحظة أن أهمية وجود "ساند" تتصاعد طرداً مع تصاعد عدد المواطنين والمواطنات العاملين والعاملات في القطاع الخاص، وخصوصاً في المنشآت الناشئة والصغيرة والمتوسطة، التي هي عرضة لمخاطر عديدة، بعضها يتصل بمخاطر التأسيس والإدارة والتمويل، ومنها ما يتصل بالمنافسة والسوق والدورة الاقتصادية التي تتراوح بين نمو وتقلص.

وعلى صلة بذلك فقد أظهرت مؤخراً بيانات صادرة عن وزارة العمل ارتفاع عدد العاملين السعوديين في منشآت القطاع الخاص بنهاية عام 2013 إلى 1.47 مليون موظف وموظفة بزيادة قدرها 332.2 ألف مقارنة بالعام 2012، الجزء الأهم من هذا النمو يعمل في منشآت ناشئة وصغيرة ومتوسطة، بمعنى أن إمكانية تعطل أحد العاملين في هذه المنشآت مرتفع مقارنة بمنشآت ضخمة تشترك وموظفوها في نظام التأمينات الاجتماعية مثل:

أرامكو السعودية وسابك والكهرباء والاتصالات ومعادن وكذلك التصنيع والدوائية والبنوك السعودية وسواها من الشركات الضخمة التي تملك الحكومة غالبية أسهمها أو تلك التي يملكها القطاع الخاص.

بمعنى، أن مقارنة ما مضى بما هو قادم من حيث الأمان الوظيفي أمر يطول فيه النظر، نظراً للتحول في الاقتصاد السعودي الذي يتعاظم فيه دور المنشآت الصغيرة والمتوسطة كمولّد للفرص الوظيفية، مما يتطلب إيجاد غطاء -من نوع أو آخر- في حال تعرض الموظف المواطن للتعطل، فالعدد الأكبر للمنشآت التي تعرض أعمالاً ليست بضخامة سابك أو التصنيع أو الاتصالات ولا تجاريها في توفير الاستقرار الوظيفي، ليس لعيب في المنشآت الصغيرة بل بالنظر لطبيعتها ولاسيما وقت التأسيس والانطلاق.

أما الجانب الثاني، فهو تمويل "ساند"، وهذا الشق يستأثر بمعظم ما يدور من نقاش في القنوات الإعلامية لاسيما وسائل التواصل الاجتماعي، والذي يمكن تلخيصه: لماذا يخصم من راتبي؟ ولماذا علي أن أمول تعطل موظف آخر؟ ولماذا لا يمول هذا البرنامج من الخزانة العامة أو من ريع استثمارات التأمينات الاجتماعية؟ أو لماذا لا يكون اختيارياً؟

أسئلة وجيهة وتستحق إجابات وافية من الجهات المعنية، لاسيما أن خيارات تمويل "ساند" متنوعة بالفعل، لكن لا يجب خلط جانب تمويل "ساند" مع أهمية وجوده كبرنامج للتحوط ضد التعطل؛ فهو يعني الأمان الوظيفي للمواطن وتوفير متطلبات الحياة الكريمة لمن يعولّ، فحتى عندما يتعطل فعليه دفع فواتير وتوفير طعام على مائدة الأسرة.

كما أن أهمية "ساند" حرجة لإضفاء المرونة اللازمة لسوق العمل السعودية، كما هي في الاقتصادات التي تسعى لتوسيع دور القطاع الخاص فيها، ولاسيما أن المؤمل أن يكون للمواطن والمواطنة النصيب الأهم من الوظائف في القطاع الخاص.

وفوق ذلك، فإن غياب شبكة أمان وظيفي لوظائف القطاع الخاص سيؤدي في المحصلة إلى عزوف السعوديين عن العمل في منشأته أو أنهم سيعملون ولكن برواتب أعلى، أو قد يقبلون على وظائف المنشآت الناشئة والصغيرة ريثما يجدون وظائف في المنشآت الضخمة (من وزن أرامكو وسابك) أو في الجهات الحكومية.

وهكذا، فالتدبر في تمويل "ساند" أمرّ تختص به الجهات الرسمية باعتباره شأناً سيادياً، أما الخدمة التي سيؤديها "ساند" لسوق العمل السعودية فهي ضرورية ولا غنى عنها، بمعنى أن إلغاء "ساند" ليس خياراً عملياً في ظل التحول الذي تمرّ به سوق العمل من استقطاب للمواطنين والمواطنات من جانب وزيادة أعداد من يعمل منهم لدى منشآت ناشئة ومتناهية الصغر وصغيرة، إذ أن إلغاء "ساند" سيعني أن يتعطل مواطن عن العمل ويهبط دخله إلى الصفر دون أن يكون له مصدر راتب للدخل.

نقلا عن اليوم