العقوبات الاقتصادية وأثرها على قطاع الطاقة الروسي

12/08/2014 0
د. سليمان الخطاف

كيف تستطيع أوروبا وأمريكا معاقبة روسيا على أخطائها الاخيرة والتي اصبحت غير مقبولة بدون الالحاق الضرر بدولها؟، كما قال احد المسؤولين الاوروبين مؤخراً: «إلحـــاق الأذى بروسيا اقتصادياً سيحمل معــه بعض الألم لاقتصاداتنا أيضاً، ولكـــن الضغوط الاقتصادية الشديدة هي اللغة الوحيدة التي تفهمها روسيا»، إذاً اوروبا تطبق حزماً جديدة من العقوبات الاقتصادية والتي ستمس قطاعات حيوية بروسيا مثل الطاقة والفضاء والتقنيات العسكرية المختلفة، خصوصاً أن روسيا تستورد نحو 30% من التقنيات والقطع اللازمة للتقنيات العسكرية.

وهذا إن حدث فإنه سيفرض على روسيا واقعاً جديداً يجعلها تقلص الاعتماد على التقنيات الغربية والتقليل من الاعتماد على تصدير الطاقة التي تستحوذ على حوالي 60% من الميزانية العامة الروسية، ولذلك توقع صندوق النقد الدولي ان تواجه روسيا مصاعب اقتصادية؛ بسبب تشديد العقوبات الاوروبية على روسيا عطفاً على تصاعد الاحداث الاخيرة، وهذا بلا شك سيؤثر على مشاريع تطوير قطاع الطاقة الروسي وهو القطاع الاهم في روسيا.

منذ زمن وأوروبا تتحدث بوضوح عن ضرورة تقليص الاعتماد على الغاز الروسي، ولكن يبدو واضحاً ان مشاريع ضخ الغاز والنفط الروسي الى اوروبا في تزايد، ونسمع بين فترة واخرى افتتاح او الاعلان عن مشاريع جديدة بين اوروبا وروسيا، ولقد افتتح في عام 2011م خط الشمال (Nord Stream) لتزويد المانيا بالغاز الروسي مباشرة مروراً ببحر البلطيق لتحاشي اوكرانيا ومشاكلها.

وتحاول روسيا جاهدة ان تستعمل خط Opal لنقل الغاز الروسي الذي يصل الى الاراضي الالمانية من خط الشمال الى الحدود التشيكية. ويذكر ان خط Opal سيؤمن امدادات الغاز الى وسط اوروبا وهو غير مستغل حالياً بشكل تام، وتريد روسيا استغلال وجود هذا الخط لنقل المزيد من الغاز إلا أن الاتحاد الاوروبي لم يعط موافقة لاستخدام روسيا لضخ المزيد من الغاز عبر هذا الخط؛ خوفاً من تنامي السيطرة الروسية على قطاع الطاقة الاوروبي.

وأما شركة المرافق الالمانية RWE فتمر بأزمة مالية خانقة نتيجة ديونها المتراكمة والبالغة حوالي 30 بليون يورو، ولقد اجبرتها هذه الازمة على بيع شركة النفط والغاز المملوكة لها Dea، رغم انها ربحت العام الماضي حوالي 520 مليون يورو، وقد رحبت RWE بالعرض المقدم من شركة L1 للطاقة من لكسمبورغ بحوالي 5.1 بليون يورو لشرائها.

والجدير بالذكر ان L1 مملوكة لشخص روسي مقرب من الكرملين، وبالنسبة لالمانيا فإن شركتي ونتر شال وRWE هما الشركتان الالمانيتان الوحيدتان اللتان يملكان خبرات في صناعة الغاز والاستكشاف، وحتى إنتاج الغاز الصخري، وبذلك نستطيع ان نرى مدى تغلغل الروس في عمق قطاع الطاقة الالماني لا سيما في غياب كامل للطاقة النووية التي تستطيع ان تساعد المانيا على التحرر ولو قليلا من القبضة الروسية.

وتفتقر اوروبا لمصادر الطاقة التي هي بأمس الحاجة لها؛ لان اقتصادها قائم على الصناعة وحتى مناخها البارد بحاجة للطاقة للتدفئة؛ ولذلك فمعظم شركات توليد الكهرباء في اوروبا او الشركات البتروكيماوية الكبرى تقيم علاقات مباشرة مع شركات الطاقة الروسية ويوجد بينهم الكثير من المصالح المشتركة، وليس من السهل قطع هذه العلاقات القائمة منذ سنين من اجل اوكرانيا او من اجل اسقاط طائرة.

ولقد استطاعت روسيا وبكل ذكاء ان تتغلل الى اوروبا وتعمل على حملها على الاعتماد على مصادر الطاقة الروسية، ومن الطريف ان المستشار الالماني السابق جيرالد شيرودر يعمل حالياً رئيساً للجنة مالكي الاسهم لشركة الطاقة (Nord Stream) التي تملكها شركة غاز بروم الروسية مع بعض الاوروبين، هذه الشركة التي تعمل جاهدة على جلب الوقود من روسيا لأوروبا.

ويبدو مع تطور الاحداث ان خط انابيب الجنوب (South stream) والذي يمر تحت البحر الاسود وصولاً الى النمسا والذي كان من المقرر ان يشيد حتى يتحاشى المرور باوكرانيا قد يواجه ضبابية في احتمال بنائه؛ لغضب الاوروبين من موسكو، ولكن اصبح المسؤولين في النمسا من اشد المدافعين عن هذا الخط الاستراتيجي.

وتقوم شركة OMV أكبر الشركات الصناعية بالنمسا والتي تربطها علاقات استراتيجية بغاز بروم الروسية بالعمل على دعم هذا المشروع والدفاع عنه؛ لأنه يؤمن طريقاً اخر لنقل الغاز الى اوروبا في حال استمرت المشاكل في اوكرانيا.

ولسان حال الاوروبين نحن نريد الطاقة ولتحل اوكرانيا مشاكلها، والجدير بالذكر ان OMV ترتبط مع غازبروم بعقد طويل الامد يمتد الى 2025م ويعود هذا العقد على الشركة النمساوية بالكثير من الفوائد الاقتصادية.

وتشير المصادر الى وجود كميات كبيرة من الغاز في اعماق البحر الاسود، وفي نفس السياق تجدر الاشارة الى المشاريع الكبيرة التي تم الاتفاق عليها بين شركة بريتش بتروليوم من جهة وعملاق النفط الروسي روزنفط؛ لاستكشاف وإنتاج النفط والغاز من شمال روسيا ومن شرقها في جزر سخالين، وأيضاً المشاريع العملاقة التي تم توقيعها في عام 2011م و2012م بين شركة اكسون الامريكية وروزنفط لإنتاج النفط في شمال روسيا وفي البحر الاسود، وتقدر قيمة هذه المشاريع بعشرات البلايين من الدولارات وهي تقوم على استغلال اماكن تحتضن الكثير من الثروات ولن تفرط الشركات الغربية بهذه الفرص الاستثمارية المؤكدة.

ويعتقد معظم الخبراء أنه ليس من السهل استغناء اوروبا عن الغاز الروسي في ظل تضاؤل موارد الغاز في بحر الشمال، والنفور من الطاقة النووية والتلوث الكبير الذي يحدثه استخدام الفحم لتوليد الطاقة، اما مصادر الغاز الاخرى مثل الغاز الصخري الامريكي والمشاريع الاسترالية للغاز المسال فتحتاج الى عدة سنوات حتى تصل الى مرحلة الانتاج، وأما نقل الغاز من دول الاتحاد السوفيتي السابق كتركمانستان مثل خط نوبوكو فلقد حاربت روسيا هذا الخط، لذلك ليس من السهل عمل حظر على واردات الغاز الروسية.

وعلى الرغم من عدم وجود حظر على استيراد النفط والغاز من روسيا، إلا أنه اعتمد فرض عقوبات على التقنيات والمعدات اللازمة لصناعة النفط والغاز ونقلهما وهذا سيعطل أو يؤخر كثيراً مشاريع روسيا المستقبلية، مثل مشروع تزويد الصين بالغاز ومواصلة بناء خط انابيب الجنوب لتزويد جنوب أوروبا بالغاز، وهذا يعني عدم قدرة روسيا على الحفاظ على إنتاجها المرتفع من النفط والغاز، وقد تحتاج المشاريع الجديدة لإنتاج النفط من شمال روسيا والبحر الاسود الى تمويل بحوالي 100 بليون دولار، ولن يتم الحصول على هذا التمويل بسهولة اذا استمر الحظر واصر الغرب على مواقفه مما يعني التأخر بإنتاج المزيد من النفط والغاز، وهناك من يرى ان نتيجة هذا الحظر قد تكون ارتفاع اسعار الطاقة من نفط وغاز على الغرب وبالتالي هم اول الخاسرين.

ويذكر أن روسيا تستورد حوالي 70 في المئة من تقنيات صناعة النفط والغاز من أوروبا، كما أن أي حظر أوروبي سيعطل تطوير صناعات الطيران والفضاء إذ تعتمد روسيا بأكثر من ثلثي هذه المعدات على الاستيراد، والأمر ذاته ينطبق على الصناعات الدوائية بنحو 80 في المئة من التقنيات والمواد الأولية، كما قد تؤثر العقوبات على صادرات الإلكترونيات وأجهزة الحاسوب والمعدات الطبية.

وفيما يخفف المسؤولون الروس من تأثير العقوبات الأوروبية والأمريكية، فإن النهج التصاعدي للعقوبات قد يجلب آثاراً مأسوية على الاقتصاد الروسي ويعمق جراحه اذا لم يتم معالجة وتخفيف اعتماده على صادرات النفط والغاز.

وتقوم حالياً روسيا ببيع النفط والغاز للحصول على المال، ولكنها لم تتطور وصناعاتها ما زالت اقل حداثة من الغرب، ولذلك اذا قطع عنهم الغرب التقنيات الحديثة ومصادر التمويل فوقع ذلك سيكون اقوى من اعلان الحرب؛ لأن ذلك كفيل بمزيد من تخلف روسيا عن ركب الحضارة وكفيل بمزيد من الفساد والعزلة.

وفي الجهة المقابلة، نجد ان شركات الطاقة الغربية متغلغلة حتى النخاع في قطاع الطاقة الروسي وهي في وضع لا تحسد عليه اذا تفاقمت حزم العقوبات على روسيا، فمن الصعوبة عليها التقدم الى الامام او الرجوع الى الخلف، لذلك من المثير تخيل ما سيحدث في الفترة القادمة اذا لم تحل مشاكل روسيا والغرب بسلام، وقد لا تحل.

نقلا عن اليوم