بلغ مجمل الدعم الحكومي لاستهلاك الطاقة في دول الشرق الأوسط نحو 237 بليون دولار في 2011، أو نحو 48 في المئة من مجمل مخصصات الدعم العالمية المماثلة، كما شكل هذا الدعم نحو 22 في المئة من الدخل الحكومي لدول الشرق الأوسط (إيران والدول العربية) ونحو 8.6 في المئة من ناتج الدخل القومي للمنطقة، وفق تقرير صدر أخيراً عن صندوق النقد الدولي.
تتوزع نفقات دعم الطاقة لدول المنطقة كالاتي: 204 بليون دولار للدول المصدرة للنفط و33 بليون دولار للدول المستوردة للنفط. وتبلغ نسبة الدعم وفق أنواع الطاقة 50.4 في المئة للمنتجات البترولية و26.2 في المئة للكهرباء و23.4 في المئة للغاز.
وتعود الأسباب الرئيسة لارتفاع مستوى الدعم لاستهلاك الطاقة في دول الشرق الأوسط عنه في بقية أنحاء العالم إلى زيادة أسعار السلع المصدرة (النفط والغاز)، ما يعني أن حكومات المنطقة (على الأقل الدول المصدرة منها) في بحبوحة مالية تؤهلها إلى زيادة الدعم.
وتلجأ حكومات إلى الدعم كنوع من الترضية للمواطنين، كما أنها ليست في حاجة إلى فرض ضرائب. ويشكل الدعم لاستهلاك الطاقة لحكومات أخرى وسيلة لإرضاء شريحة واسعة من المواطنين ذوي الدخل المحدود من خلال منع التضخم والغلاء من خفض قيمة دخلهم المالي إلى مستويات أدنى.
وأعلنت مصر خلال حزيران (يونيو) تقليص الدعم لاستهلاك الطاقة، وكانت سبقتها إيران عند فرض آخر مجموعة من العقوبات الدولية على صناعتها النفطية بسبب الخلاف حول الملف النووي. لكن هناك فارقاً كبيراً في أسلوب خفض الدعم بين البلدين.
فالحكومة الإيرانية بادرت ببرنامج علاقات عامة واسع لإفهام الشعب ضرورة هذه الخطوة لاقتصاد البلاد، بينما كان القرار المصري اكثر مفاجئة، ما أنتج ردود فعل سلبية عند الرأي العام المحلي. ويُذكر أن مخصصات دعم استهلاك الطاقة في مصر في 2011 شكلت نحو 10.6 في المئة من الدخل القومي، وهي النسبة الأعلى بين دول المنطقة.
وفاقت المبالغ المخصصة للدعم موازنات التعليم والصحة مجتمعة. وتحاول مصر الآن رفع الدعم كلياً خلال السنوات الخمس المقبلة كي يتقارب مستوى الأسعار مع المستويات الدولية.
لكن ما هي سلبيات سياسة دعم استهلاك الطاقة؟ لخص صندوق النقد الذي يقود حملة دولية لتقليص الدعم في دول العالم الثالث السلبيات بالعوامل التالية: يشكل الدعم تشويشاً في قيمة الطاقة الحقيقية للمستهلك مما يؤدي بدوره إلى زيادة الاستهلاك، فما دامت الفاتورة منخفضة نسبياً، سيستهلك المستهلك الطاقة بطريقة عشوائية. ويؤدي الدعم إلى زيادة الاستهلاك ما يؤدي بدوره إلى تقليص الصادرات البترولية للبلاد ومن ثم بروز الآثار السلبية على الاقتصاد الوطني.
ويؤدي الدعم إلى نفور الشركات النفطية الدولية والخاصة من الاستثمار في تحديث قطاع الطاقة المحلي، بالذات في المشاركة في الاستثمار في قطاع الكهرباء أو المشاركة في صناعة توزيع الغاز محلياً.
يؤدي الدعم إلى تشجيع تهريب المنتجات البترولية من الدول التي تتبنى سياسات الدعم إلى الدول المجاورة التي لا توفر الدعم حيث أسعار المنتجات أعلى من الدولة المجاورة، كما هو حاصل من تهريب من المحافظات العراقية إلى إقليم كردستان، أو من الجزائر إلى المغرب.
ويشكل دعم استهلاك الطاقة عبئاً أكبر على السياسة المالية للبلاد من تبني وسائل الدعم الهادفة. يؤخر الدعم للمنتجات البترولية تطوير صناعة الطاقة المتجددة والبديلة، مثل الشمسية والرياح والنووية، نظراً إلى الانطباع الخاطئ التي تعكسها أسعار المنتجات البترولية المدعومة.
بينما يشكل تقليص الدعم لاستهلاك الطاقة أولوية في قائمة الإصلاحات التي يدعو إليها صندوق النقد الدولي، تبقى الحكومات التي تقدم الدعم في محنة، وهي الزيادة العشوائية في الاستهلاك، أو في حال تقليص الدعم استفزاز أعداداً كبيرة من الرأي العام المحلي. وعلى رغم الحذر من تقليص الدعم، تدل التجارب إلى أن السياسات المستقبلية متجهة نحو خفض الدعم، بغض النظر عن الصعوبات السياسية والاجتماعية الناتجة عن ذلك.
وتكمن المعضلة الأساسية في خفض الدعم في الآتي: تواجد فئات واسعة من ذوي الدخل المحدود في دول المنطقة، واعتماد هذه الطبقات في شكل واسع على المنتجات البترولية لكسب قوتها اليومي الذي بالكاد يفي الحاجات الأسرية الضرورية.
ومن النفقات التي تتأثر بتخفيض الدعم ثمن البنزين والديزل للمواصلات الخاصة والعامة، أو الفيول أويل لتوليد الكهرباء.
وثمة معضلة في كثير من دول المنطقة تكمن في غياب العمل الجدي على تحسين مستوى الاقتصاد الوطني قبل فرض ما هو فعلاً ضرائب جديدة وباهظة على طبقات ذوي الدخل المحدود. من هنا يجب العمل في هذين المجالين سواسية.
نقلا عن الحياة