قبل البحث في أسباب عدم تجاوب بورصة عمّان مع خفض أسعار الفائدة على الدينار الأردني، لا بد من الإشارة إلى بعض الحقائق.
الحقيقة الأولى ان سعر الفائدة على الودائع المصرفية هو المنافس القوي للاستثمار في أسواق المال باعتبار الإيداع المصرفي عديم الأخطار، خصوصاً عندما تكون الظروف السياسية والاقتصادية والمالية استثنائية فتتطلب تحقيق عائدات مرتفعة تغطي أخطار الاستثمار ويكون صعباً تحقيق عائدات كهذه في أسواق الأسهم.
وساهم ارتفاع سعر الفائدة على الودائع بنسبة كبيرة في المصارف الأردنية قبل سنوات والارتفاع التالي للعائدات، في تراكم الودائع لدى المصارف هروباً من الأخطار.
الحقيقة الثانية ان أموالاً ضخمة تدفقت من مغتربين أردنيين، خصوصاً من دول الخليج، للاستفادة من ارتفاع الهامش بين أسعار الفائدة على الودائع بالدولار والودائع بالعملات الخليجية المرتبطة بالدولار من جهة والودائع بالدينار الأردني إذ وصل هذا الهامش إلى نحو خمسة في المئة في ظل استقرار سعر صرف الدينار.
وشجع هذا الهامش الكبير أصحاب المدخرات من الأردنيين أيضاً على الاحتفاظ بأموالهم لدى المصارف الأردنية بالدينار والابتعاد عن الدولرة، علماً أن رفع سعر الفائدة على الودائع بالدينار في تلك الفترة كان هدفه تعزيز الاستقرار النقدي في الأردن وتثبيت سعر صرف الدينار ومكافحة التضخم على رغم الانعكاسات السلبية لرفع أسعار الفائدة على أداء الاقتصاد والطلب على القروض وربحية الشركات المدرجة في سوق عمّان المالية وبالتالي على مؤشرات أداء السوق نتيجة مساهمة ارتفاع سعر الفائدة على الودائع في ارتفاع كلفة الاقتراض وارتفاع الكلفة على المستثمرين.
الحقيقة الثالثة ان قرار المصرف المركزي الأردني بخفض سعر الفائدة وللمرة الثالثة على التوالي خلال فترة زمنية محدودة أعطى إشارات ومؤشرات إيجابية للعديد من الأطراف سواء المالية أو الاستثمارية والاقتصادية داخل الأردن أو خارجه في ظل ظروف سياسية وأمنية استثنائية في المنطقة مع الأخذ في الاعتبار اطمئنان السلطات النقدية الأردنية إلى التحسن الكبير في وضع الحساب الجاري لميزان المدفوعات وانعكاسه بالإيجاب على احتياطات الأردن من العملات الأجنبية وبلوغها مستويات قياسية في ظل بقاء معدلات التضخم عند مستويات مقبولة وملائمة وفي ظل توقعات المصرف المركزي بأن تساهم هذه القرارات في حفز الاستثمار وزيادة السيولة في السوق ونمو حجم القروض المقدمة للقطاعات الاقتصادية المختلفة بعد تراجعها عند ارتفاع سعر الفائدة مع توقعات بخفض كلفة هذه القروض ما ينعكس إيجاباً على النمو.
ومعلوم ان زيادة النشاط الاقتصادي الحقيقي مع توقعات نمو ملموس في الناتج المحلي الإجمالي يزيد تفاؤل المستثمرين في مختلف القطاعات بالمستقبل ما يساهم في زيادة حجم الطلب على أسهم الشركات المساهمة العامة القيادية في ظل توقعات نمو أرباحها وانعكاس هذا النمو في الأرباح على حقوق مساهميها وقيمها الدفترية وتوزيعاتها النقدية ما يساهم في ارتفاع أسعارها السوقية.
ولخفض سعر الفائدة على الإقراض دور في زيادة تدفقات الاستثمار الأجنبي وتعزيز البيئة الجاذبة للاستثمار باعتبار ان سعر الفائدة هو احد العناصر المهمة في الكلفة الاستثمارية.
الحقيقة الرابعة أن معلومات صدرت عن بعض الجهات من القطاع الخاص الأردني تؤكد ان مبادرة المصارف إلى خفض سعر الفائدة على الودائع فور إعلان المصرف المركزي قرارات الخفض ترافقت مع تجاهل مصارف لفترة زمنية طويلة خفض سعر الفائدة على الإقراض في ظل سياسة المصرف المركزي النقدية التي تقوم في احد أركانها على تحرير سعر الفائدة لدى الجهاز المصرفي وعدم التدخل به مباشرة أو إلزام المصارف بالخفض، ما يترك للمصارف حرية تحديد سعر الفائدة على الودائع والقروض.
وبالتالي استمر ارتفاع الهامش بين سعري الفائدة على الودائع والقروض مع الإشارة إلى ان ثمة مصارف ما زالت تعتبر إقراض المستثمرين في سوق عمّان المالية تحمل أخطار ما يتطلب رفع سعر الفائدة على هذا الإقراض إضافة إلى اعتبار القروض المقدمة لبعض المستثمرين بضمان أسهم الشركات المدرجة أيضاً تحمل أخطار في ظل تقلبات أسعار أسهم معظم الشركات المدرجة.
وفي الختام ما زالت الثقة العامل الرئيس السلبي والاهم في تحريك سيولة المستثمرين نحو فرص الاستثمار المتوافرة في سوق عمّان المالية وبالتالي ارتفاع حجم الطلب وحجم التداول.
وتبقى العوامل الأخرى ومنها سعر الفائدة هامشية في مثل هذه الظروف الاستثنائية على رغم ان ريع أسهم بعض الشركات القيادية أصبح خلال هذه الفترة يتجاوز سعر الفائدة على الودائع بعد تخفيضاته الأخيرة.
وتساهم حال عدم التأكد التي يعمل بها المستثمرون خلال هذه الفترة في زيادة صعوبة تحديد العائدات المتوقع تحقيقها من الاستثمار في السوق ما يساهم بالتالي في استمرار تراجع مستوى الثقة واستمرار أصحاب المدخرات بالاحتفاظ بها كودائع لدى المصارف على رغم انخفاض عائداتها للابتعاد عن الأخطار والانتظار حتى تجاوز مرحلة عدم التأكد واليقين.
لذلك لم تتفاعل مؤشرات سوق عمّان المالية مع تخفيضات سعر الفائدة سواء منها مؤشر حجم التداول اليومي ومؤشر الأسعار.
ويستثنى من ذلك بعض كبار المستثمرين على الأجل الطويل وبعض المحافظ الاستثمارية التي تستثمر في السوق على نار هادئة يدفعها الأمل بارتفاع أسعار أسهم الشركات القيادية إلى سعرها العادل عندما تتحسن الظروف السياسية والأمنية والاقتصادية.
نقلا عن الحياة