دخل قانون الامتثال الضريبي للحسابات الخارجية (فاتكا) الأميركي حيز التنفيذ مطلع الشهر الجاري، وكانت غالبية المصارف العربية أتمت تسجيلها بنجاح من خلال البوابة الإلكترونية للقانون على موقع مكتب الإيرادات الضريبية الأميركي على الإنترنت، في حين أعلن عدد من الحكومات الخليجية والعربية مثل البحرين والسعودية توافقات مع الحكومة الأميركية على توقيع اتفاقات ثنائية لتطبيق القانون.
واختارت معظم الحكومات الخليجية توقيع النموذج الأول من الاتفاقات الحكومية الثنائية مع الولايات المتحدة والذي طبقته دول مثل بريطانيا وإرلندا وألمانيا وإسبانيا والنروج وسويسرا وآيسلندا والمكسيك والدنمارك، وتفاوض 60 دولة للدخول فيه، وهو يتطلب أن تؤدي الحكومات المحلية دوراً أكبر في تطبيق القانون من خلال توقيعها هي وليس المصارف اتفاقات تعاون مع الحكومة الأميركية.
وللدخول في هذه الاتفاقات، تحتاج الدول توقيع اتفاق لتبادل المعلومات أو اتفاق لمنع الازدواج الضريبي مع الولايات المتحدة.
وما لم توقع الحكومات اتفاقات مع الحكومة الأميركية في شأن القانون، يكون على المؤسسات المالية الدخول في اتفاقات ثنائية مع مصلحة الضرائب الأميركية في شكل فردي، وإذا وقعت الحكومات لن تحتاج المؤسسات المالية سوى الى التسجيل.
وتفضل وزارة الخزانة الأميركية هذا الخيار، وهذا سيجعل الامتثال للقانون أسهل وأرخص للمصارف لكونه سيزيل عدداً من العوائق القانونية، خصوصاً الخلاف على السرية المصرفية، إذ تعتبَر كل المؤسسات المالية في البلد مشاركة في الامتثال للقانون، كما أن عدم مشاركة الفروع التابعة لمصرف في البلد المعني والواقعة خارجه لن يؤثر في وضعية المصرف.
وبموجب هذا النموذج ستقدم المؤسسات المالية في البلد تقاريرها الى الجهات الرقابية المحلية في بلدانها التي ستقوم بدورها بتقديم التقارير إلى السلطات الأميركية. وستكون المؤسسات المالية محكومة بالاتفاق التي وقعتها حكومتها مع الحكومة الأميركية وليس بتشريعات قانون الامتثال للضريبة الأميركية.
والأهم أن في إمكان المؤسسات المالية عند قيام حكوماتها بتوقيع هذه الاتفاقات اتباع التشريعات المحلية الخاصة بمكافحة تبييض الأموال وذلك للتعرف الى الأشخاص أو الكيانات الأميركية (المؤسسات الأجنبية غير المالية). وهذا سيخفض في صورة كبيرة العمل الإضافي في إجراءات دراسة العناية الواجبة للزبون.
أما بموجب الخيار الثاني من الاتفاقات فالمؤسسات المالية تدخل في اتفاقات مع مكتب الضرائب الأميركي وتشارك السلطات المحلية في الإبلاغ عن المؤسسات المالية غير المتعاونة والحجب سيكون نادراً ويطبَّق عند استيفاء شروط معينة فقط.
إن عدم توقيع حكومات اتفاقات مباشرة مع الحكومة الأميركية للامتثال للقانون، يعني أن على المصارف الدخول في اتفاقات مباشرة مع مكتب الضرائب الأميركي ضمن المواعيد المحددة في القانون. كما يتعين على المصارف المركزية التعاون مع وزارة الخزانة الأميركية في الإبلاغ عن المؤسسات المالية غير المتعاونة في بلدانها.
ويجب على هذه المؤسسات العناية بزبائنها الحاليين للتعرف الى ما سمي في قواعد القانون «الدلائل الأميركية» أي احتمال التعريف بالأشخاص أو الكيانات الخاضعة للضريبة، مع وضع إجراءات جديدة حيز التطبيق بالنسبة إلى الزبائن الجدد وتعديل الأنظمة في أقرب فرصة ممكنة.
ونظراً إلى سهولة تطبيق النموذج الأول من الاتفاقات الحكومية، خصوصاً أن الامتثال للقانون ينطوي على تكاليف تشغيلية كثيرة ناجمة عن تعديل إجراءات فتح الحسابات الجديدة ومتابعتها ومراقبتها والتدقيق بها، وأنظمة معالجة المعاملات وإجراءات التعرف إلى الزبون التي تستخدمها المصارف الأجنبية، وتكاليف التوعية وإنشاء وحدة خاصة بالامتثال للقانون يعمل فيها موظفون أكفاء وذوو خبرة وغيرها، فقد تحرك كثير من المصارف العربية لدى المصارف المركزية لاقناع حكوماتها بالدخول في اتفاقات مباشرة مع الخزانة الأميركية لتنفيذ القانون وفق النموذج الأول.
لذلك فالحكومات الخليجية فضلت التوقيع على اتفاقات مع الحكومة الأميركية في شأن تنفيذ القانون ما سينعكس إيجاباً على مهمات المصارف المحلية في الالتزام بالقانون، خصوصاً أن المصارف المركزية الخليجية كانت رائدة دوماً في إدخال التشريعات والقواعد التنظيمية العالمية الجديدة، كما أن التنوع في الصناعة المصرفية الخليجية يحتم التعامل معها وفق أحدث القواعد المصرفية، ما يسهل عمل المصارف العاملة ويمكنها من مواصلة أداء أدوارها الحيوية.
ويُتوقع أن تواجه المصارف الخليجية والعربية بعض التحديات في تطبيق القانون، خصوصاً على صعيد تحديث أنظمة تقنيات المعلومات والجهود المرتبطة بتحديث السياسات والإجراءات الخاصة بفتح الحسابات الجديدة والتعرف الى الزبائن ورصد تحرك حسابات الزبائن وتدريب الموظفين وغيرها، ألا أننا مؤمنين بمقدرة هذه المصارف على التغلب على هذه التحديات ومواكبة متطلبات القانون، والدليل أن الغالبية الساحقة من المصارف البحرينية والخليجية ظهرت على أول قائمة أصدرها مكتب الإيرادات الضريبية الأميركي مطلع هذا الشهر للمؤسسات المالية الأجنبية المشاركة في برنامج الامتثال للقانون، ما يعكس مدى التطور المالي والتقني الذي حققته البلدان الخليجية في مجال الخدمات المصرفية والمالية ومواكبتها لمختلف التطورات النقدية والمالية العالمية.
نقلا عن الحياة