ارتفاع أسعار النفط يهدد صناعة الغاز الأمريكي

15/07/2014 4
د. سليمان الخطاف

ارتفع الانتاج الامريكي من النفط والسوائل البترولية مؤخراً كثيراً حيث وصل الى اكثر من 10 ملايين برميل باليوم في 2013م.

ونتيجة لذلك انخفضت الكميات التي تستوردها امريكا من الخارج ما بين 2007م وحالياً بحوالي 5 ملايين برميل باليوم.

واما الغاز الطبيعي فلقد ارتفع انتاجه بحوالي 30% في عشر سنوات ليصل الى 725 بليون متر مكعب في 2013م.

ولكن تبقى المعضلة الكبرى (الى جانب المخاوف البيئية) والتي تهدد الاستمرار بانتاج الغاز الصخري هي التباين الكبير بين اسعاره واسعار السوائل البترولية.

ولم تتأثر اسعار النفط بامريكا كثيراً رغم زيادة الانتاج الامريكي من السوائل البترولية بأكثر من 46% في خمس سنوات.

اما اسعار الغاز الطبيعي فكانت اقل تماسكاً واهتزت كثيراً مع طفرة انتاج الغاز الصخري. ولقد انهارت اسعار الغاز الطبيعي في الولايات المتحدة في ابريل 2012م مع الوفرة بالانتاج وسجلت اقل سعر في عشر سنوات عند 1.95 دولار للمليون وحدة حرارية.

واما اسعار النفط الامريكي فكانت في تلك الفترة عند 103 دولارات للبرميل. ولو افترضنا ان كل برميل يحتوي على 5.8 مليون وحدة حرارية فيصبح سعر الوحدة الحرارية من السوائل النفطية حوالى 18 دولارا اي اكثر من سعر الغاز الطبيعي بتسعة اضعاف.

هذا الفارق الكبير بالاسعار جعل الشركات المنتجة للغاز الطبيعي الجاف تبحث عن حقول الغاز التي تحتوي على سوائل بترولية لكي يكون استثمارها مجدياً اقتصادياً.

الاكيد ان اسعار النفط والغاز في امريكا وتغيرهما نتيجة العرض والطلب هي ما تحفز نمو انتاج اي من هاتين المادتين. فلو تم دراسة اعداد حفارات الغاز وحفارات السوائل وهي اهم وسيلة لتتبع انتاج هذه المواد، لوجدنا ان اعدادها كانت متساوية في عام 1990م وحتى عام 1996م.

وفي هذه الفترة كانت اسعار النفط تقدر بحوالى 18 دولارا للبرميل واسعار الغاز الطبيعي الامريكي عند 2 دولار للمليون وحدة اي ان نسبة سعر برميل النفط الى سعر المليون وحدة من الغاز كانت 9.

ولكن وفي عام 1999م وبحسب موقع شركة بيكر هيوز كان عدد حفارات الغاز يشكل 80% من اجمالى الحفارات بامريكا وانخفضت اعداد حفارات السوائل الى 20% فقط. ولقد تغيرت نوعية الحفر من عمودي الى افقي واصبح يستحوذ على 60% من اجمالى الحفارات.

والجدير بالذكر ان اسعار النفط كانت قد انخفضت الى 12 دولارا للبرميل في اوائل عام 1999م.

ولقد ارتفعت اسعار الغاز ما بين ديسمبر 1999م وحتى ديسمبر 2000م من 2.4 دولار للمليون وحدة الى 9 دولارات للمليون وحدة واصبحت نسبة سعر برميل النفط الى سعر المليون وحدة من الغاز 2-3. وهذا ما شجع المستثمرين على ضخ الاموال في انتاج الغاز الطبيعي بدلاً من السوائل الرخيصة في تلك الفترة.

وفي عام 2005م حينما تعدى سعر الغاز الطبيعي بامريكا حاجز 12 دولارا للمليون وحدة حرارية، اقتربت نسبة حفارات الغاز بامريكا لتشكل 90% من اجمالى الحفارات وهذا يعني ان كل حفارات امريكا تقريباً كانت تبحث وتنتج الغاز الطبيعي لارتفاع اسعاره وفي تلك الفترة كانت اسعار النفط تقارب 30 دولارا اي ان نسبة سعر البرميل الى سعر المليون وحدة من الغاز كانت حوالي 3.

وبعد ارتفاع اسعار النفط بدأت نسبة حفارات الغاز بالانخفاض حتى وصلت الى حوالي 50% في عام 2010م وانخفضت الى 40% في عام 2011م.

واما في عام 2012م حين انهارت اسعار الغاز الطبيعي الى اقل من 2 دولار وارتفعت اسعار النفط الى حدود 100 دولار اي ان نسبة سعر البرميل الى سعر الغاز كانت 50 وهي نسبة كبيرة وقد تكون سابقة بالتاريخ الامريكي المعاصر. عندها اصبحت حفارات النفط تشكل اكثر من 70% من اجمالي الحفارات بأمريكا.

وحالياً تبلغ اسعار النفط الأمريكي حوالى 105دولار للبرميل واسعار الغاز حوالى 4.5 دولار للمليون وحدة حرارية اي ان النسبة السعرية تساوي 23 وهي في صالح النفط وصناعته.

وهذا ما جعل عدد حفارات النفط الحالية في امريكا تشكل حوالى 85% من اجمالى عدد الحفارات ومقابل 15% لحفارات الغاز.

وبلغة الارقام يبلغ عدد حفارات النفط حالياً حوالي 1560 وعدد حفارات الغاز 314. وهذا يقودنا الى استنتاج ان نسبة سعر البرميل الى سعر الغاز يمكن ان تكون العامل الاهم في تقييم صناعة النفط والغاز في امريكا.

واذا ارتفعت هذه النسبة اكثر من 13 كان هذا لصالح صناعة النفط ولو انخفضت اقل من 8 كان هذا لصالح صناعة الغاز.

تشتكي شركات انتاج الغاز الطبيعي في امريكا من ان الاسعار الحالية للغاز قد اضرت بمصالحها وهي بالتالي قد لا تستطيع الاستمرار بانتاج الغاز الصخري الا في حالة تصديره كغاز مسال. ولذلك بدأت تتجه للحفر في الحقول التي تحتوي على المزيد من السوائل باهظة الثمن.

والحقيقة ان الوضع في امريكا غريب نوعاً ما، فهذا الفارق الكبير في السعر شجع شركات انتاج الغاز الطبيعي على ترك انتاج الغاز الطبيعي والاتجاه لانتاج السوائل وهذا ما انعكس على تغير انتاج امريكا من هذه المصادر.

فلقد ارتفع انتاج الولايات المتحدة من السوائل البترولية في عام 2013م بحوالى 13.5% بينما ارتفع انتاجها من الغاز الطبيعي 1.3% فقط. والسبب بسيط جداً وهو ان حفارات الغاز الطبيعي تركت حقول الغاز وذهبت لانتاج السوائل الثمينة.

ولو ارتفع سعر الغاز الطبيعي بامريكا لرجعت هذه الحفارات وبدأت بالمزيد من الانتاج. ولو منعت امريكا الشركات من تصدير الغاز فسوف ينخفض انتاج الغاز الطبيعي الى مستويات كبيرة.

ولذلك قد لا تتحقق تنبؤات ادارة معلومات الطاقة الامريكية من ان انتاج الغاز في امريكا سيصل الى حوالي تريليون متر مكعب في عام 2040م الا في حالة واحدة وهي اذا ارتفعت اسعار الغاز الطبيعي في امريكا لتغطي تكلفة الانتاج ولتعطي الشركات بعض الربح حتى تستطيع الاستمرار باعمالها.

ان انخفاض اسعار الغاز في اي بلد في العالم لا يشجع الشركات العالمية على الاستثمار في صناعته. فمن غير المعقول ان يباع الغاز بأقل من تكلفة الانتاج وهذا من اهم الاسباب التي تعيق التوسع في انتاج الغاز.

ولذلك يجب ان تكون اسعار الغاز معقولة تساعد المنتج ولا تضر بالمستهلك.

نقلا عن الحياة