النفط في أسبوع (نفط كردستان العراق: لعبة الشطرنج مع بغداد)

13/07/2014 0
وليد خدوري

يستمر إقليم كردستان العراق في تصدير النفط إلى ميناء جيهان التركي، في ما يشبه لعبة الشطرنج مع بغداد. وكما هو معتاد في لعبة الشطرنج، وكذلك في لعبة الأمم، هناك خطوات ناجحة وأخرى فاشلة، بل قاتلة في فشلها.

وها نحن في العراق، ندفع الثمن، حيث تشجع الصادرات النفطية للإقليم والمستقلة عن حكومة بغداد، وذات الريع المالي العالي، على الانغماس في لعبة الأمم، وحتى في الدفع بإمكان تقسيم العراق، وإن لا يزال هناك إمكان لتفادي ذلك. فهل تستطيع القوى السياسية المشاركة في الحكم منذ العام 2003، والتي أوصلت البلاد إلى هذا الوضع المأساوي، إيجاد حل غير الحرب الأهلية أو التقسيم؟

للنفط دور مهم في سياسات المنطقة. ومعروف أن حكومة الإقليم نجحت في إنشاء صناعة نفطية مهمة خلال السنوات العشر الماضية. وتوسع حجم القطاع النفطي الكردي، وهناك مؤشرات إلى احتمال زيادة عالية للاحتياط مستقبلاً في حال الاستمرار في التطوير، ما جذب شركات نفط عالمية. فقد وقعت حكومة الإقليم نحو 50 اتفاقاً لمشاركة الإنتاج مع شركات نفطية، كان أولها مع شركات صغيرة، ثم مع شركات عالمية مثل «اكسون» و «توتال» و «شيفرون» و «غازبروم».

وتتصدر شركة «جينيل اينرجي» التركية والصغيرة نسبياً، الشركات العاملة في الإقليم من حيث كمية الاحتياط المكتشف (نحو 1.6 بليون برميل)، وهي ذات علاقات قوية مع مسؤولين أتراك ويديرها الرئيس السابق لشركة «بريتش بتروليوم» طوني هاورد. وتشير معلومات إلى أن الاحتياط المؤكد يبلغ نحو 12 بليون برميل من النفط و25 تريليون قدم مكعبة من الغاز.

كما يتوقع أن يزداد الاحتياط النفطي غير المكتشف إلى نحو 45 بليون برميل من النفط ونحو 100-200 تريليون قدم مكعبة من الغاز. ويذكر أن احتياط النفط العراقي يقدر بـ150 بليون برميل (مع حقل كركوك الذي يبلغ احتياطه 25 بليوناً).

ينتج العراق نحو 3 ملايين برميل يومياً (مباشرة بعد السعودية في «أوبك»). وتتراوح تقديرات الإنتاج بحلول 2020 ما بين 6 و9 ملايين برميل يومياً. وينتج إقليم كردستان نحو 200 ألف برميل يومياً، قابلة للزيادة وفق تصريحات لمسؤولين، إلى نحو مليون برميل يومياً في 2015 ونحو مليوني برميل في 2020. وتكمن أهمية نفط الإقليم في كمية الإمدادات الإضافية للأسواق العالمية، وفي فتحها مجالات استثمار للشركات العالمية. ويذكر أن مجموعة كبيرة من الشركات النفطية العاملة في الإقليم تضم في مجالس إدارتها سفراء وعسكريين أميركيين متقاعدين خدموا في العراق منذ عام 2003.

واجه العراق خلافات منذ احتلاله في 2003، منها تحديد مسؤولية تطوير الصناعة النفطية. ولم تنجح المحاولات لتشريع قانون للقطاع منذ عام 2007. فقد صيغت بنود الدستور، بخاصة النفطية منها، بطريقة غامضة قابلة للتأويل، ما جعل الاتفاق غير ممكن. فقد اعتبرت بغداد أن ملكية النفط هي للشعب بأجمعه، لا للمحافظات المنتجة فقط.

كما اعتبرت أن المؤسسة الوحيدة التي تمثل الشعب بأكمله هي مجلس النواب، وأن عمليات تطوير الصناعة والتفاوض والاتفاق مع الشركات الدولية يجب أن تتم من خلال المؤسسات الاتحادية. واعترضت حكومة كردستان على هذا التفسير للمادة 112 من الدستور العراقي، وأصرت أربيل (بحسب الجزء الأول من المادة 112) على أن الدستور يعطي صلاحية للسلطات الفيديرالية على الحقول التي تم اكتشافها قبل عام 2006 فقط (أي قبل صياغة مسودة قانون النفط). أما الحقول المكتشفة حديثاً (بعد عام 2007)، أي معظم الحقول المكتشفة في الإقليم، فيتم تطويرها من قبل المحافظات والأقاليم.

لم تكتف حكومة الإقليم بهذا الاختلاف القانوني، بل بادرت بسرعة غير معهودة في التعاقد مع نحو 50 شركة نفط عالمية من دون علم أو موافقة الحكومة الاتحادية. لكن أربيل طلبت، بعد توقيع الاتفاقات، أن تدفع بغداد مئات الملايين من الدولارات للشركات لقاء نفقات عدة منصوص عليها في العقود. واعترضت بغداد على الدفع من دون علم مسبق بالاتفاقات. وشكل هذا الخلاف أزمة كبيرة للشركات العاملة، إذ إنها كانت جميعها تقريباً، من الشركات الصغيرة والمستقلة.

فأخذت الشركات تضغط على حكومة الإقليم لتضغط على بغداد لجباية الأموال المتعاقد عليها لحاجتها لسيولة لاستمرار أعمالها.

وتصاعدت الخلافات تدريجاً، إذ امتنعت حكومة الإقليم عن تصدير النفط الذي تعهدت به عبر مؤسسات الدولة العراقية. فأوقفت بغداد حصتها المالية من مجمل الريع النفطي للبلاد، والبالغة 17 في المئة، ما أدى إلى عدم تمكن حكومة الإقليم من دفع معاشات موظفيها ورواتب التقاعد، وتأجيل الدفع للعشرات من الشركات الهندسية العاملة في الإقليم.

وتفاقم الخلاف مع إصرار حكومة الإقليم على تشييد خط أنابيب لتصدير النفط من حقول الإقليم مباشرة إلى منظومة خط الأنابيب التركي-العراقي في الأراضي التركية. أي أنه يمر فقط في إقليم كردستان مباشرة إلى تركيا، ويتفادى أي إشراف للحكومة الاتحادية عليه.

تفيد نشرة «بلاتس» النفطية اليومية بأن المعلومات المتوافرة لديها حتى 24 حزيران (يونيو)، تشير إلى أن حكومة الإقليم تجني نحو 100 مليون دولار تقريباً لكل مليون برميل من النفط الخام يتم تصديره عبر تركيا، ما يعني أن الإقليم يمنح خصماً قيمته 9 في المئة مقارنة بالنفوط المماثلة من النوعية ذاتها.

فقد تم بيع برميل النفط بسعر 101 دولار للبرميل، بينما سعر النفوط ذات الخصائص المماثلة (النفط الروسي «يورال») بلغ في حينه نحو 110 دولارات للبرميل. وتدفع حكومة الإقليم دولاراً واحداً قيمة العبور (ترانزيت) في خط الأنابيب التركي.

امتنعت مصافٍ في دول مطلة على المتوسط من شراء نفط الإقليم، منها مالطا والمغرب وإيطاليا، لأن بغداد أخذت تلاحق عمليات التصدير قانونياً. من ثم، تم تفريغ كمية من النفط في ميناء أشكلون الإسرائيلي. ونظراً إلى سياسة التكتم على وجهة الصادرات، فمن غير المعروف حتى الآن، إذا كانت الصفقة مع إسرائيل عملية شراء فورية، أم أنها طويلة المدى، أم أن الشركة الإسرائيلية التي استلمتها تنوي إعادة بيعها في أسواق أخرى، أو تكريرها محلياً.

نقلا عن الحياة