تنبه وكالة الطاقة في دراسة أخيرة إلى أن الطلب على الغاز الطبيعي سيزيد على إنتاجه في دول الشرق الأوسط (الدول العربية وإيران) خلال النصف الثاني من هذا العقد، وإلى احتمال استمرار هذه الظاهرة في حال عدم التعامل معها بجدية وفي الوقت المناسب.
وتشير الأرقام المتوافرة إلى زيادة الطلب من 426 بليون متر مكعب عام 2002 إلى حوالى 535 بليوناً في 2019، بزيادة 109 بلايين أو 26 في المئة حتى نهاية العقد الجاري.
كما أن التقديرات تشير إلى احتمال زيادة إتاج الغاز من 582 بليون متر مكعبة في 2013، إلى حوالى 658 بليوناً فقط خلال الفترة ذاتها. والفارق بين زيادة الطلب وزيادة الإنتاج يقلق المراقبين.
انعكاسات هذا الفارق مهمة، إذ نلاحظ أن أكبر زيادة في استهلاك الغاز هي في الكهرباء، ويتوقعان أن تبلغ 36 في المئة حتى نهاية العقد. وعدد كبير من الدول العربية يعاني من انقطاعات كهربائية صيفاً وشتاء، بمعنى أن مشكلة الكهرباء لا تبرز في فترات الذروة الاستهلاكية فقط (في الصيف مثلاً حيث استعمال المكيفات).
والأسباب الرئيسية لزيادة استخدام الغاز في القطاع، تعود إلى أسباب اقتصادية (انخفاض سعر الغاز عن النفط) وتجارية (تصدير كميات أكبر من النفط إلى الأسواق العالمية لتحقيق أرباح أعلى) وبيئية (انخفاض التلوث من الغاز) وطبعاً، الارتفاع المتزايد والسريع لاستهلاك الكهرباء إقليمياً والمقدر بـ5 - 6 في المئة سنوياً في بعض دول المنطقة، مقارنة بحوالى 2 - 4 في المئة في كثير من دول العالم.
هل يعود هذا الارتفاع إلى نهضة صناعية في المنطقة، أم إلى انخفاض تسعيرة الكهرباء عن مثيلاتها العالمية، ما يدفع بالمواطن إلى الاستهتار بالاستهلاك؟ معروف أن النهضة الصناعية لا تزال محدودة جداً في معظم دول المنطقة. ويرجح مراقبون أن يكون سبب زيادة استهلاك الكهرباء هو الأسعار المنخفضة نسبياً، والتي يجب رفعها للحد من الاستهلاك غير الرشيد، من دون الإضرار بمستوى المعيشة لفئات كبيرة من الشعب، فهل هذا صحيح؟
هناك تحديات تواجه قطاع الطاقة إقليمياً، منها المشاكل البنيوية لمؤسسات الكهرباء نفسها. وأصبح واضحاً أن تعامل الدول مع شركات الكهرباء أكل عليه الدهر، وأساليب الاستثمار وطريقة عمل مؤسسات كهرباء كثيرة لا تزال موروثة من القرن الماضي، إذ تتعامل الحكومات معها مؤسسات الكهرباء بالطرق العقيمة ذاتها المعتمدة مع بقية دوائر الدولة.
هذا الأمر يتعلق بطرق الإنتاج والتوليد والتوزيع والمراقبة والجباية، ناهيك عن الاستثمار في محطات جديدة في الوقت الملائم لتلبية الزيادة المتوقعة في الطلب. فمشاركة القطاع الخاص أصبحت أمراً ضرورياً، مع التأكد من الشفافية في تلزيم الشركات المختصة الحائزة على التقنيات الحديثة. وهذا أمر ضروري في ظل ثقافة الفساد المهيمنة على دول المنطقة.
هناك محاولات عدة لزيادة احتياط الغاز، ونأمل بأن تنجح في أهدافها خلال الفترة القصيرة المتبقية، وهي نهاية هذا العقد، أي حوالى 5 سنوات. لكن، نلاحظ أن هناك نقصاً فادحاً على مستوى الشرق الأوسط برمته في استعمال الطاقات البديلة والمستدامة لتحل تدريجاً جنباً إلى جنب مع النفط والغاز في توليد الكهرباء، بخاصة الطاقة الشمسية.
فالبحوث تقدمت في شكل واسع لتحسين الطاقة الشمسية. ومعظم التقنيات ليست بهذا التعقيد بحيث لا يمكن تصنيعها محلياً.
وهنا، يتوجب على الحكومات توفير الحوافز القانونية، مثل تشجيع، بل إلزام، استخدام الطاقة الشمسية لتوليد الكهرباء في المساكن الجديدة، وبيع الفائض منها للدولة. وهذا الأمر ليس بالجديد، فهو قائم منذ سنوات في دول مجاورة. هنا طبعاً، المجال مفتوح للقطاع الخاص في تشييد وتركيب اللوحات والخزانات على سطوح البيوت، مع ضرورة مراقبة الحكومة الأسعار ونوعية الخدمات التي تقدمها الشركات الخاصة ونوعية الأدوات والمواد التي تصنعها.
إن الاعتماد الواسع للمساكن على الطاقة الشمسية لتوليد الكهرباء يوفر الكثير ويخلق وظائف. طبعاً، هناك أيضاً إمكان استعمال طاقة الرياح، ناهيك عن الطاقة الذرية لتوليد الكهرباء، على رغم العراقيل السياسية المختلفة التي واكبت هذه الصناعة، إضافة إلى قلة عدد الخبراء العرب المختصين في هذا المجال.
هناك تأخر ونقص فادح في جوانب عدة من صناعة الغاز، إذ تكاد المنطقة تفتقر إلى صادرات وواردات إقليمية، من الدول المصدرة إلى الدول المجاورة. وتكمن المشكلة في عدم وجود معادلة سعرية إقليمية للغاز.
وبالفعل، نجد أن معظم مشاريع التصدير الإقليمية الحالية أو السابقة، والتي بالكاد يتجاوز عددها أصابع اليد، حددت سعر الغاز فيها عوامل سياسية. وتدل تجارب بعض الدول العربية ذات الاحتياط الغازي المتواضع نسبياً، على فقدان التخطيط اللازم لتحديد نسبة الاحتياط الواجب الاحتفاظ به للاستهلاك الداخلي في العقود المقبلة، ونسبة الغاز الممكن تصديره.
وقد مرت مصر فعلاً بهذه التجربة. فبعد الاكتشافات الغازية في البحر المتوسط أوائل التسعينات، بدأت مصر سياسة باتجاهين، الأولى تصديرية والأخرى تقضي باستعمال الغاز بكثافة على الصعيد الداخلي.
فبالنسبة إلى التصدير، تم تشييد مصنعين لتسييل الغاز وتصديره، إضافة إلى خطي أنابيب: خط الغاز العربي، وخط العريش - إسرائيل. وتوقفت مصر عن التصدير أخيراً، بل أخذت تستورد الغاز.
والسبب هو الزيادة الكبيرة في الاستهلاك الداخلي نتيجة انخفاض أسعار البيع المحلي، وإلى تعميم استعمال الغاز في محطات الكهرباء والصناعات الثقيلة (البتروكيماويات، والحديد والصلب). كما اعتمدت أسعاراً مخفضة جداً لبعض الدول المجاورة.
هناك محاولات عدة لدول عربية لتلافي مشكلة النقص المستقبلي للغاز، منها اكتشاف أكبر كمية من الاحتياط بأقرب وقت ممكن. كما أنّ هناك اهتماماً واسعاً باستخدام الطاقات البديلة في دول أخرى، ناهيك عن محاولات زيادة أسعار الغاز محلياً.
نقلا عن الحياة