من الواضح أنّ أحد آثار النزاع الدائر في العراق سيشمل ارتفاع أسعار النفط، وفي الحقيقة، أدى تصاعد العنف في ثاني أكبر منتجي النفط في منظمة أوبك إلى ارتفاع أسعار النفط إلى أعلى مستوياتها منذ عشرة أشهر.
وفي تقرير حديث لها، أصابت الوكالة الدولية للطاقة عندما قالت: "مع أن إنتاج العراق ضخم، إلا أن العوائق السياسية التي يواجهها العراق كبيرة أيضاً وخير مثال على المخاطر المرتبطة بالعراق الحملة العسكرية"، مع ذلك، لا داعي للشعور بالهلع في المرحلة الراهنة.
فالعراق ليس "الغيمة السوداء" الوحيدة الموجودة في سماء سوق النفط العالمية لأن ليبيا - التي تمتلك احتياطيات تُقدّر بنحو 48 مليار برميل - لا تضخّ إلا 10% من طاقتها الإنتاجية الكلية؛ وهذا أدنى مستوى للإنتاج النفطي الليبي منذ سبتمبر 2011.
كما أن عمليات التخريب قلّصت تدفق النفط من نيجيريا بشكل ملحوظ، وما لم تتوصل طهران والغرب إلى اتّفاق حول برنامج إيران النووي في يوليو، فإن إيران قد تواجه قريباً تجديد العقوبات على صناعتها النفطية.
بعبارة أخرى، قد يكون العراق أصغر مصدر للقلق بالنسبة للعالم [على مستوى إمدادات الطاقة].
ورغم بعض مظاهر الضعف في إنتاج النفط، إلا أن إمدادات النفط العالمية لاتزال في الحقيقة صحّية للغاية في الوقت الراهن، فقد ازدادت بأكثر من مليون برميل يومياً بالمقارنة مع معدلات الفترة نفسها من العام الماضي، ولم تحدث هذه الزيادة بسبب منظمة أوبك.
(ففي اجتماع عُقد مؤخراً في فيينا، قرر أعضاء أوبك الاستمرار في إنتاج 30 مليون برميل يومياً، كما فعلوا على مدى السنوات الثلاث الماضية تقريباً).
وبالأحرى، ازدادت إمدادات النفط بسبب إنتاج أمريكا الشمالية، بالإضافة إلى ذلك، نوّعت الصين مصادر وارداتها النفطية وخزنت كميات ضخمة من النفط خلال الشهور الأخيرة، الأمر الذي يحدّ من خطر حدوث نقص في إمدادات النفط العالمية بسبب خسارة السوق لإنتاج النفط العراقي.
علاوة على ذلك، إذا تعطل إنتاج النفط العراقي لمدة طويلة، وتوقفت صادرات النفط العراقية بشكل تام تقريباً على مدى شهور عديدة، وإذا تراجع إنتاج النفط في دول أخرى في المنطقة، فإن السعودية وأوبك والولايات المتحدة ستكون قادرة على تعويض النقص المحتمل في إمدادات النفط.
إذ تستطيع المملكة العربية السعودية - التي تمتلك أكبر فائض في السعة الإنتاجية في العالم - العودة إلى دورها التقليدي كمصدّر موازن لسوق النفط. وفي حال حدوث هلع في السوق، فإن الولايات المتحدة تستطيع تصدير كميات إضافية من النفط من مخزونها الإستراتيجي، وبالنسبة لهذيْن الخياريْن، يظل دور السعودية الأكثر أهميّة.
قبل مدّة وجيزة فقط، تمّت دعوة المملكة العربية السعودية - أكبر مصدّر للنفط في العالم - إلى المساعدة في ضمان استقرار سوق النفط العالمية واحتواء الزيادات الكبيرة في أسعار النفط، التي نجمت عن النقص الحادّ في إمدادات النفط الليبي، وزادت المملكة إنتاجها في منتصف عام 2011، ثمّ في عام 2012.
بالنتيجة، ازدادت الإمدادات بشكل كبير وبدأت أسعار النفط في الانخفاض بعدما سجّلت طفرة كبيرة.
وفي العام الجاري أيضاً، رفعت المملكة العربية السعودية معدّل إنتاج النفط الخامّ إلى 9,7 مليون برميل يومياً، أي بأكثر من 5% بالمقارنة مع الفترة نفسها من عام 2013.
وحتى في حال غياب الضغط الإضافي الناجم عن الأزمة العراقية، فإن الرياض مضطرة للاستمرار في رفع مستوى الإنتاج، لأن سعر النفط الموازن للميزانية السعودية، يزداد سنةً تلو الأخرى.
ومازالت المملكة تمتلك سعة إنتاجية احتياطية تتجاوز الـ «2,7» مليون برميل يومياً نتيجةً لسنوات طويلة من الاستثمار في البنية التحتية لقطاع النفط المحلي.
وتلتزم المملكة بتعديل الإمدادات استناداً إلى حجم الطلب، كما تنفرد المملكة بهذا الدور الموازن لسوق النفط على مستوى العالم بأسره.
وإلى جانب السعودية، قد تستطيع دول أخرى في منظمة أوبك المساهمة أيضاً في تعزيز سوق الطاقة العالمية، لكنّ المعطيات الحالية لا تبدو واعدة على هذا الصعيد.
فقد اجتمع أعضاء أوبك مؤخراً وقرروا عدم تغيير معدّلات الإنتاج؛ لكن التعاون نادر في هذه الأيام، ولا يوجد سعر للنفط يناسب جميع أعضاء أوبك بسبب التباين الكبير بين الأسعار الموازنة لميزانياتهم.
فالأعضاء الذين تتطلب موازنة ميزانياتهم أسعار نفط مرتفعة يحرصون على بقاء الأسعار مرتفعة، حتى إذا أدى ذلك إلى تراجع الطلب في النهاية.
أما الأعضاء الذين تتطلب موازنة ميزانياتهم أسعار نفط منخفضة، فإنهم يرفضون تقليص حصص إنتاجهم من أجل إرضاء الأعضاء الآخرين.
وباستثناء الكويت - التي انخفضت تكلفة إنتاج النفط فيها في عام 2013 بسبب تقليص الاستثمارات - فإن التقديرات تشير إلى أن أسعار النفط الموازنة لميزانيات الدول الرئيسة المصدّرة للنفط قد ازدادت خلال السنوات القليلة الماضية.
وتتطلب موازنة ميزانيات الجزائر وإيران والعراق ونيجيريا أن يكون سعر النفط أعلى من 120 دولاراً للبرميل، وابتداءً من عام 2014، أصبح السعر الموازن لميزانيات أنغولا والسعودية ودولة الإمارات العربية المتحدة عند الخمسة وتسعين دولاراً للبرميل.
وبالنسبة لهذه الدول كافة، إذا انخفضت أسعار النفط وتراجع إنتاجها النفطي وازداد إنفاقها العام، فإن العجز في ميزانياتها سيكون مشكلة معقدة في نهاية المطاف.
وإلى جانب السعودية وأوبك، يتطلع البعض إلى الولايات المتحدة كي توجه سوق الطاقة.
وفي الحقيقة، لا تستطيع الولايات المتحدة - في حد ذاتها - فعل الكثير على مستوى إمدادات النفط، لكنها قادرة على الاضطلاع بدور دبلوماسي مهم. فالولايات المتحدة لا تستطيع مجاراة السعودية في مجال زيادة معدلات إنتاج النفط، ومع أن الولايات المتحدة تستطيع الحصول على مليارات الدولارات عبر تصدير الطاقة في النهاية، إلا أنها مازالت في بداية الطريق نحو التحوّل إلى الملاذ الأخير لإمدادات الطاقة، إن تمكنت من تحقيق ذلك أصلاً.
وما زال أثر قطاع الطاقة الأمريكي على أسواق النفط في الشرق الأوسط ضئيلاً جداً، لأن الولايات المتحدة لا تصدّر النفط.
علاوة على ذلك، ترى دول الخليج العربية أنّ تراجع اعتماد الولايات المتحدة على النفط المستورد سيدفعها إلى عدم الانخراط بشكل كبير، في الشرق الأوسط. فلماذا الذهاب إلى كركوك والموصل بعد اكتشاف احتياطيات ضخمة من الطاقة الصخرية في كولورادو وشمال داكوتا وتكساس؟
وفي الحقيقة، لا تستطيع الولايات المتحدة فعل الكثير إذا بدأ عدم الاستقرار في أسواق النفط، إذ يمكنها فقط إمداد السوق من مخزونها الإستراتيجي الذي يكفي لمدة شهرين فقط (مع أخذ الإنتاج المحلي بعيْن الاعتبار) وهذا أقصى ما يمكنها أن تفعله.
حالياً، ستستمر دول الخليج العربية في المراقبة والانتظار، بينما تتبلور الأوضاع في العراق.
كما أن ارتفاع أسعار النفط ومعدلات إنتاجه توفر عائدات مالية أكبر لجميع مصدّري النفط، ومن المستبعد أن ترتفع أسعار النفط بشكل دراماتيكي ما لم يتسع نطاق القتال الدائر في العراق ويتوقف إنتاجه النفطي، لأكثر من مجرّد بضعة أشهر.
نقلا عن اليوم
good one