النفط في أسبوع (الغاز وتهديدات أمن الطاقة)

29/06/2014 0
وليد خدوري

تواجه صناعة الغاز العالمية تحديات في أسواقها التقليدية في آسيا وأوروبا بسبب الصراعات السياسية الدولية، والمنافسة السعرية الناتجة عن استعمال الفحم الحجري في محطات الكهرباء.

هذه التحديات ليست جديدة في صناعة الطاقة، إذ واجهت صناعة النفط تحديات سياسية وسعرية مشابهة في العقود الماضية.

واليوم يثير الصراع بين روسيا والغرب حول أوكرانيا أزمة جديدة في قطاع الطاقة. وكان الكلام سابقاً عن التهديدات المحتملة لإمدادات الطاقة محصوراً تقريباً في انقطاع الإمدادات النفطية بسبب إمكانية إغلاق مضيق هرمز.

لكن على رغم كل الصراعات العسكرية والسياسية في المنطقة، والتهديدات الإيرانية المتكررة بإغلاق المضيق، استمرت الملاحة عبر المضيق طبيعية.

وتشكل انقطاعات الغاز الروسي عبر أوكرانيا وجهاً آخر لتهديدات أمن الطاقة، فهي ذات علاقة بالغاز الطبيعي، وليس النفط الخام.

ويتعلق التهديد، ثانياً، بإحدى أكبر الدول المنتجة في العالم، ومن خارج منطقة الخليج. وتهدد انقطاعات الغاز الروسي، ثالثاً، الدول الأوروبية بشلل، فهذا الغاز يشكل نسبة عالية جداً من الغاز المستهلَك في أوروبا، ولا يوجد له بديل الآن.

وانتهجت دول الاتحاد الأوروبي منذ منتصف عقد الثمانينات سياسة مختلفة عن تلك المتبعة في بقية الدول الصناعية المستوردة للطاقة، تمثلت في تنويع مصادر استيراد الطاقة من أكبر عدد من الدول، بدلاً من الاعتماد على دولة أو اثنتين.

وفي 2013، بلغ استهلاك أوروبا من الغاز الطبيعي 541 بليون متر مكعب من الغاز، استورد 161.5 بليون متر مكعب منها، وجاء 30 في المئة من الكمية المستوردة من شركة «غازبروم» الروسية العملاقة. واستورد نصف الإمدادات الروسية (80 بليون متر مكعبة) عبر أوكرانيا، ما يشكل 15 في المئة من الاستهلاك الأوروبي.

واستطاعت «غازبروم» الاستحواذ على هذه الحصة الكبيرة من السوق الأوروبية لغياب الإمدادات الضخمة التي استطاعت روسيا تخصيصها للسوق الأوروبية، كما أن روسيا سبقت بقية الدول في تجهيز هذه الكمية من الغاز، والأهم هو استعداد «غازبروم» لاستثمار عشرات البلايين من الدولارات لتشييد البنى التحتية من خطوط أنابيب طويلة المدى وخزانات.

وتعقدت وتزايدت الخلافات الروسية- الأوكرانية حول الغاز، فهناك أولاً الصراع على النفوذ في أوكرانيا بين روسيا والغرب بعد انهيار الاتحاد السوفياتي. وتصاعد هذا الخلاف تدريجاً ليشمل سعر الغاز. نشب الخلاف أولاً في 2005 حول سعر الغاز الذي يباع لأوكرانيا، وسعر ضريبة المرور التي تجنيها كييف من الغاز الذي يعبر عبر أراضيها إلى أوروبا.

وقطعت السلطات الروسية الإمدادات إلى أوروبا في فصل الشتاء في أوروبا حين يستعمل الغاز للتدفئة. وتبعت هذا الانقطاع الأولي انقطاعات بسبب استمرار الخلافات وعدم التوصل إلى حلول لها. وتبعت موضوع السعر مشكلة تأخر أوكرانيا في دفع الديون المستحقة عليها.

وأدى انقطاع إمدادات الغاز الروسي إلى أوروبا إلى تغيرات مهمة في صناعة الغاز العالمية، فشعرت أوروبا أنها في موقف ضعيف لاعتمادها الكبير على الغاز الروسي، وعدم تمكنها من استيراد إمدادات مماثلة من دول أخرى في وقت قصير. وشعرت روسيا بالضغوط الأوروبية ومحاولتها تقليص استيراد الغاز الروسي بإمدادات غاز أخرى.

ويتضح أن البديل المحتمل الذي يمكن أن تحصل عليه أوروبا في بداية العقد المقبل، أي بعد 5 - 6 سنوات، هو الغاز الصخري من أميركا الشمالية، بالإضافة إلى إمدادات أخرى من المصدرين التقليديين.

وتكمن أهمية الغاز الصخري الأميركي في سعره المنافس للغاز الروسي، إذ من الممكن بيع الغاز الصخري تسليم الموانئ الأوروبية بـ3 - 5 دولارات لكل مليون وحدة حرارية بريطانية، مقارنة بـ14 - 16 دولاراً للغازات التقليدية.

ثم، تفاوضت روسيا لـ10 سنوات مع الصين لتصدير الغاز إليها عبر خط أنابيب. واتُّفِق على كمية الإمدادات والسعر.

وستزود روسيا الغاز الطبيعي إلى الصين ابتداء من 2018 ولمدة 30 سنة وبواقع 38 بليون متر مكعب من الغاز سنوياً، مع التخطيط لزيادة الإمدادات تدريجاً إلى 130 بليون متر مكعب سنوياً، ما يعادل مجمل صادرات الغاز الروسي لأوروبا.

وتفيد مصادر غير رسمية بأن سعر الغاز المتفق عليه هو 10 دولارات لكل مليون وحدة حرارية بريطانية، وهو سعر مهجن إذ يشمل التزامات صناعية صينية تنفذ في روسيا، ما يعني انه حل وسط ما بين سعر الغاز الروسي إلى أوروبا، وسعر الغاز الصخري الأميركي إلى الصين مستقبلاً.

ويشمل الاتفاق، استثمار «غازبروم» في خط أنابيب قيمته 55 بليون دولار يمتد من حقول سيبريا الشرقية إلى الحدود الصينية.

يطلق نجاح روسيا في اتفاق الغاز مع الصين مرحلة جديدة في صناعة الغاز العالمية، لأنه يفتح أسواقاً ضخمة، ويعطي روسيا مرونة في تسويق احتياطاتها الأكبر عالمياً، تليها إيران ثم قطر. والصين تستورد حالياً الغاز المسال من طريق البحر من الدول المصدرة.

ويشكل ثاني أهم تحدٍّ للغاز استعمال الفحم الحجري في توليد الكهرباء في كل من أوروبا وآسيا. ويعود السبب الرئيس لذلك إلى زيادة الإنتاج والتصدير للفحم الأميركي وكذلك إلى الأسعار العالية والمتزايدة للغاز في آسيا خصوصاً.

فكلما ترتفع أسعار الغاز المسال المصدرة إلى آسيا، يزداد تدريجاً استعمال الفحم الحجري الأقل سعراً نسبياً، أو التفاوض مع الدول المصدرة لخفض أسعار الغاز المسال.

وتواجه أوروبا المشكلة ذاتها إذ انخفض استهلاك الغاز في أوروبا خلال السنوات الثلاث الأخيرة 51 بليون قدم مكعبة. ويعزى بعض هذا الانخفاض إلى الأزمة الاقتصادية الأوروبية.

لكن المعلومات تشير إلى أن هذا الاتجاه مستمر حتى 2020 والسبب الرئيس أيضاً هو ارتفاع سعر الغاز المسال المستورد الذي يؤثر سلباً في العوامل الاقتصادية لمحطات الكهرباء.

ويزداد الوضع سوءاً في أوروبا مع ازدياد تشييد محطات كهرباء تغذى بالغاز وإغلاق المحطات القديمة التي تستعمل الفحم الحجري.

تشكل هذه المتغيرات أمراً معهوداً في صناعة الطاقة، إذ مرت صناعة النفط ولا تزال بضغوط ومتغيرات مشابهة. إلا أن الغاز كان يحرق سابقاً، فلم تكن له قيمة اقتصادية.

أما الآن، ومع ازدياد استهلاك الغاز، ليصبح ثاني أهم مصدر للطاقة بعد النفط، فهو يسير على خطى الصناعة النفطية، وما واجهه من تجارب سياسية واقتصادية.

نقلا عن الحياة