خلال الأيام القليلة الماضية طالب بعض المستثمرين والمضاربين في بورصتي الإمارات هيئة الأوراق المالية وإدارتي السوقين بالتدخل لوقف النزيف الذي تتعرض له السوقان في ظل التراجع الكبير لأسعار أسهم معظم الشركات المدرجة، وفي مقدمها الشركات القيادية، نتيجة البيع العشوائي وغير العقلاني الذي يتعارض مع أساسيات الاقتصاد وأساسيات الشركات والنمو المتواصل في أرباحها.
وأدى هذا التراجع الكبير إلى انخفاض أسعار أسهم الشركات المدرجة إلى ما دون قيمها العادلة، سواء استناداً إلى القيمة الحقيقية لأصولها أو تطورات أدائها أو توقعات تدفقاتها النقدية.
وحركة التصحيح القوية التي تعرضت لها سوقا الإمارات تزامنت مع إشاعات مختلفة حول استقالة رئيس مجلس إدارة «أرابتك»، وهي الشركة التي استقطبت نصف سيولة السوقين في ظل الإعلان عن مشاريع ضخمة أفصحت عنها الشركة سواء داخل الإمارات أو خارجها ويُتوقع أن يكون لها مردود كبير يساهم في نمو متميز في أرباحها خلال السنوات المقبلة.
وتضاف إلى ذلك إشاعات عن نية مجلس إدارة الشركة سحب إدراجها من سوقي المال كما حدث قبل سنوات مع شركة «آبار» التي تملك حصة مهمة من رأس مال «أرابتك». وتزامنت موجة التصحيح مع التطورات السياسية والعسكرية في العراق والتي كان لها تأثير سلبي في أداء معظم أسواق المنطقة.
وكانت موجة التصحيح التي تعرضت لها سوقا الإمارات متوقعة في ظل الإنجازات الكبيرة التي حققتها مؤشرات السوقي، سواء خلال الشهور الخمسة الأولى من العام أو خلال العام الماضي بأكمله، فاحتلت مؤشرات سوقي الإمارات المرتبة الأولى في الارتفاع مقارنة بارتفاعات باقي أسواق المنطقة، إلا أن المفاجئة كانت قوة الموجة الأخيرة وعمقها إذ أدت سيولة المضاربين التي تستحوذ على حصة مهمة من التداولات دوراً مهماً في ارتفاع قيمة الخسائر التي تعرضت لها السوقان.
لكن مطالبات المستثمرين والمضاربين هيئة الأوراق المالية الإماراتية بالتدخل مؤشر على عدم المعرفة والإلمام بالوظائف والمهام والمسؤوليات الملقاة على عاتق الهيئة وإدارتي السوقين، إضافة إلى أنه مؤشر على عدم الإلمام بأخطار تدخل الجهات الرقابية في حركة الأسواق في ظل اقتصاد حر وأسواق حرة حيث أن للأسعار وظيفة رئيسة وأساسية ومهمة وهي تحريك الموارد.
وتعطي حركة الأسعار عادة إشارات إلى قوى السوق بالتدخل السريع سواء بالبيع أو الشراء مع الأخذ في الاعتبار أن حركة الطلب والعرض اليومية في الأسواق تعتمد على مبدأ مهم وهو تقاطع التوقعات، فالبائع يتوقع تراجع أكبر في الأسعار والمشتري يتوقع عودة الأسعار إلى الارتفاع ولكل من البائع والمشتري مبرراته وتحليلاته الخاصة لأسباب الارتفاع والانخفاض.
وهذا التقاطع في التوقعات هو الذي يؤدي إلى التداول اليومي ولا يجوز للسلطات الرقابية أن تكون طرفاً في هذه التوقعات من خلال التوصية بشراء أسهم معينة أو بيع أسهم أخرى عند مستويات الأسعار الحالية فهذه التوصيات تعتبر انحيازاً إلى بعض قوى السوق، وهذا الإجراء لا يتفق مع العدالة التي يجب على الجهات الرقابية ممارستها أو التحلي بها في التعامل مع كل الأطراف وكل قوى السوق، كما أن لجوء هيئات الأوراق المالية إلى التوصية بشراء أسهم بعض الشركات أو بيع أسهم شركات أخرى سيحملها مسؤوليات حدوث عكس توقعاتها أو توصياتها في ظل انخفاض كفاءة معظم الأسواق في المنطقة بسبب العديد من الاختلالات الهيكلية التي تعانيها وفي مقدمها سيطرة سيولة المضاربين على حركتها وضعف الاستثمار المؤسسي وانخفاض مستوى الوعي الاستثماري.
وأصدرت السلطات الرقابية العديد من القوانين والأنظمة والتعليمات الخاصة بترخيص المستشارين الماليين والمحللين الماليين وشركات البحوث والدراسات التي تتولى من ضمن مسؤوليتها ومهامها احتساب الأسعار العادلة لأسهم الشركات المدرجة ومساعدة المستثمرين في اتخاذ قراراتهم الاستثمارية المناسبة.
كذلك فإن السلطات الرقابية ومن أجل رفع مستوى نضج القرارات الاستثمارية سواء بالبيع أو الشراء، فرضت على كل الشركات المدرجة الإفصاح الفوري عن أي معلومات جوهرية لها تأثير في الوضع المالي للشركات وبالتالي في حجم الطلب والعرض وحركة أسعار الأسهم في السوق، إضافة إلى الإفصاح الدوري كل ثلاثة أشهر عن تطورات أدائها بهدف ربط الأسعار في السوق بنمو الأرباح أو تراجعها.
كذلك أصدرت السلطات الرقابية قوانين وتعليمات تمنع المطلعين من الاستفادة من المعلومات الداخلية للشركات، سواء أعضاء مجالس الإدارة أو الإدارة التنفيذية، وذلك للحفاظ على عدالة الحصول على المعلومات المهمة وكفاءته.
ولهيئات الأوراق المالية السلطة والصلاحية في أوقات الظروف الصعبة كما حدث في البورصة المصرية عندما أوقفت معاملاتها لمدة 38 جلسة في 2011 بسبب الانتفاضة الشعبية العارمة في مصر التي أسفرت عن تنحي الرئيس حسني مبارك.
وكان الهدف من الإجراءات الاحترازية التي اتخذتها البورصة المصرية منها حماية السوق من التقلبات العنيفة.
وشملت تلك الإجراءات وقف العمل بالجلسة الاستكشافية وتغيير العمل بالحدود السعرية لأسهم الشركات المدرجة ليصبح الحد الأقصى للارتفاع أو الانخفاض 10 في المئة بدلاً من 20 في المئة، واستحداث حد سعري جديد على مؤشر «إي جي إكس» الرئيس ليتم وقف التداول في السوق نصف ساعة عند نزول الأسعار أو ارتفاعها أكثر من خمسة في المئة.
نقلا عن الحياة