تعرضت سوقا الأسهم الإماراتيتان خلال الأسبوعين الماضيين، بعدما حققت مؤشراتها مكاسب قوية واستثنائية خلال العام الماضي والأشهر الخمسة الأولى من هذا العام، إلى موجة تصحيح قوية تزامنت مع تفعيل قرار انضمام السوقين إلى مؤشر «مورغان ستانلي» للأسواق الناشئة في بداية حزيران (يونيو) الجاري.
وهذه الموجة من التصحيح كانت متوقعة بعد الارتفاعات القياسية التي تحققت، إلا أن الملفت للانتباه كان قوة هذه الموجة إذ أدت إلى خسارة العديد من أسهم الشركات القيادية نسبة مهمة من المكاسب التي حققتها هذا العام.
وتهيمن سيولة المضاربين على حركة السوقين، إذ تقدر نسبتها بنحو 70 في المئة من إجمالي سيولة السوقين، بينما لا تزال نسبة سيولة الاستثمار المؤسسي على رغم ارتفاعها هذا العام، عند 30 في المئة من إجمالي السيولة، وهذا عكس الواقع في الأسواق المتقدمة حيث لا تتجاوز نسبة سيولة الاستثمار الفردي 15 في المئة ويحوز على النسبة الباقية الاستثمار المؤسسي.
ومعلوم أن سيولة المضاربين تعتمد في معظم قراراتها الاستثمارية على الاشاعات والسير خلف التيار السائد ونصائح غير المتخصصين.
ويساهم ضعف مستوى الإفصاح والشفافية في خلق بيئة خصبة للاشاعات بين أوساط المضاربين، خصوصاً صغارهم، فيلاحَظ مثلاً، أن اشاعات كثيرة انتشرت الأسبوع الماضي حول شركة «أرابتك العقارية»، وهي الشركة التي تحتل المرتبة الأولى في حجم التداولات وتستحوذ على حصة كبيرة منها في سوقي الإمارات ولحركة أسعارها في السوقين تأثير مهم في حركة أسعار أسهم باقي الشركات المدرجة.
وتوقعت الاشاعات تجميد إدراج الشركة في أسواق المال وخلافات بين بعض كبار المؤسسيين، ما تسبب بخسائر فادحة لأسهمها، وانتقلت الخسائر إلى باقي أسهم الشركات المدرجة، خصوصاً الشركات الأكثر سيولة والمدرجة في مؤشرات «مورغان ستانلي».
وتزامنت هذه الاشاعات وغيرها من اشاعات سلبية مع تطور الظروف العسكرية في العراق والتي أدت إلى تعرض معظم أسواق المنطقة لخسائر متفاوتة.
وفي وقت نؤكد فيه أهمية وجود شريحة من المضاربين في أسواق المنطقة للمساهمة في توفير سيولة تساعد في توازن الأسواق، يجب في المقابل وضع الآليات المناسبة لخفض نسبة هذه السيولة في أسواق المنطقة من خلال تعزيز الاستثمار المؤسسي باعتباره استثمار يحتفظ عادة بالأسهم في الأجل المتوسط إلى البعيد، بعكس الاستثمار الفردي الذي غالباً ما تكون فترة استثماره قريبة الأجل وهدفه يتمثل في تحقيق أرباح سريعة من خلال تركيزه على أسهم المضاربة من دون الالتفات إلى أخطار هذا الاستثمار نتيجة ارتفاع أسعار أسهم هذه الشركات إلى مستويات تفوق قيمتها العادلة.
وبالتالي يساهم الاستثمار المؤسسي في انخفاض مستويات التذبذب في الأسواق، وبالتالي تراجع أخطارها والعمل على تطورها في صورة جوهرية ما يساهم في زيادة عمقها ونضجها ورفع مستوى كفاءتها نتيجة اعتماد هذا الاستثمار في قراراته الاستثمارية على أداء الاقتصاد وأداء الشركات، باعتبار أن تحسن الأوضاع الاقتصادية.
وينعكس نمو الناتج المحلي الإجمالي إيجاباً عادة على نمو أرباح الشركات المدرجة وبالتالي ترتفع قيمة الأرباح الموزعة على المساهمين إضافة إلى ارتفاع قيمة حقوق مساهميها والقيمة الدفترية لأسهمها إذ تُدار أموال هذا الاستثمار في صورة مهنية ومحترفة.
ومعلوم أن سوقي الإمارات تهدفان من انضمامهما إلى المؤشرات الدولية وفي مقدمها مؤشرات «مورغان ستانلي»، تعزيز حصة الاستثمار المؤسسي الأجنبي نتيجة تدفقات أموال مصدرها صناديق استثمار عالمية تتبع المؤشر في استثماراتها. وغالباً ما تتميز الاستثمارات المرتبطة بهذه المؤشرات بالاستقرار وبالتالي لا تعتبَر استثماراته أموالاً ساخنة كما هي الحال مع صناديق التحوط، مع الأخذ في الاعتبار أن الأسواق الإماراتية اتخذت كل الإجراءات الكفيلة بحماية حقوق المستثمرين من الأخطار.
وفيما ساهم الاستثمار الأجنبي المؤسسي في تشجيع أسواق المنطقة على وضع التشريعات والقوانين والضوابط التي تعزز الشفافية والإفصاح وتفعيل قواعد حوكمة الشركات إضافة إلى تنويع الأدوات الاستثمارية لتوزيع العائدات والأخطار وتنويعها، مع العلم بأن قوة سعر صرف الدرهم الإماراتي المرتبط بالدولار، إضافة إلى حرية دخول الأموال المستثمرة وأرباحها وخروجها وعدم فرض ضرائب على أرباح الاستثمارات، كلها عوامل تعزز تدفقات الاستثمار المؤسسي على سوقي الإمارات.
والبيع العشوائي خلال فترة التصحيح التي مرت بها السوقان الإماراتيتان من قبل المضاربين يعكس تهميشهم معايير الاستثمار المتعارف عليها وعدم التفاتهم إلى أساسيات الشركات وأساسيات الاقتصاد كما تعكس محدودية خبرتهم الاستثمارية لمساعدتهم على اختيار التوقيت المناسب للبيع والشراء.
وهيئة الأوراق المالية في الإمارات بذلت وتبذل جهوداً كبيرة لتشجيع المضاربين الأفراد على الاستثمار في أسواق المال من خلال صناديق الاستثمار لإبعادهم عن الأخطار بدلاً من الاستثمار المباشر في السوق والذي يحتاج خبرة وثقافة استثمارية ومتابعة يومية يصعب على معظم المضاربين توفيرها بينما تتوافر هذه الصفات في مديري الصناديق الاستثمارية.
لذلك يلاحَظ في الأسواق المتقدمة حجم الأموال الضخمة التي تستثمَر من خلال صناديق الاستثمار المشتركة مع الأخذ في الاعتبار أن سيولة صناديق الاستثمار تساهم في المقابل في ارتفاع حصة سيولة الاستثمار المؤسسي الذي ينعكس إيجاباً على نضج السوق وارتفاع كفاءتها وانخفاض أخطارها.
نقلا عن الحياة