ظل التركيز في الأسواق المالية منصباً على اليونان والتداعيات المحتملة على العملة وأسواق السلع. وما زالت مشكلات الدين المالي التي تسببت في الفرار إلى السندات الحكومية الآمنة والدولار الأمريكي والابتعاد عن أسواق السلع والأسهم قائمة، حيث أوضحت الحكومة الألمانية أنها غير مستعدة لإخراج دفتر الشيكات.
وقد ارتفع الإقراض المصرفي الصيني في شهر يناير أكثر من الشهور الثلاثة الماضية مجتمعة، مما أكد بالتالي على خطر زيادة سخونة الاقتصاد مع ارتفاع التضخم نتيجة لذلك. وقد دفع هذا البنك المركزي الصيني يوم الجمعة إلى الإقدام للمرة الثانية هذا العام على رفع متطلب احتياطي البنوك. وسوف يترك احتفال الصينيين بالعام الجديد بعض الأسواق مغلقة معظم أيام هذا الأسبوع مع توقعات بانخفاض النشاط.
وهناك إشارات مختلطة في أسواق الطاقة مع إصدار منظمة الدول المصدرة للنفط "أوبك" تقييماً متشائماً للطلب على النفط للعام الجاري 2010. وصارت المنظمة الآن لا تتوقع ارتفاع الطلب العالمي إلا بمقدار 800 ألف برميل يوميا وهو ما يتباين مع توقعات الوكالة الدولية للطاقة (IEA) بزيادة مقدارها 1.2 مليون برميل يومياً وتوقعات إدارة معلومات الطاقة (EIA) الأمريكية بزيادة مقدارها 1.44 مليون برميل يومياً. ومعظم هذه الزيادة -إن لم يكن كلها- في الطلب سوف تأتي من الأسواق الناشئة، وإذا حدث وضغطت الصين على المكابح بدرجة أكبر مما نرى الآن فمن الممكن أن نرى الأسعار تتعرض لضغوط في وقت لاحق من هذا العام.
وأمضت أسواق السلع معظم الأسبوع الماضي في محاولة التعافي من الإخفاق الكامل يوم الجمعة الماضي عندما بلغ الذعر من الديون السيادية مستويات قياسية جديدة. وفي الأيام التي أعقبت ذلك، تمكن مؤشر مكتب أبحاث السلع (CRB index) من الارتفاع بمقدار 5 في المائة قبل أن يؤدي رفع الصين لمتطلبات الاحتياطي إلى دفع الدولار الأمريكي إلى مستوى قياسي جديد لعام 2010 أمام اليورو وإلى وضع التعافي الهش في أسواق السلع تحت الضغط.
غير أن قطاع الطاقة تمكن من تحقيق ارتفاع حيث تعرض معظم الولايات المتحدة الأمريكية لموجة جديدة من الطقس الشتوي القارس مما أدى إلى زيادة الطلب على زيت التدفئة. وقد ارتفع النفط الخام المخزّن في الولايات المتحدة الأمريكية إلى مستوياته التي شهدها في أكتوبر 2009، كما ارتفع البنزين إلى مستوياته في عام 2009، مما يظهر بوضوح أن السوق ما زالت تشهد إمداداً جيداً. وهذا يترك الأسعار في موقع لا يسمح لها بالتحرك بسرعة خلال الشهور المقبلة.
وبينما نحن ننتظر مزيدا من التوضيح بشأن حالة وسرعة التعافي العالمي، يبدو التداول ضمن النطاق بين مستويي 65 دولاراً أمريكياً للبرميل و85 دولاراً أمريكياً للبرميل هو النتيجة المرجحة.
من منظور تقني، فإن المتفائلين رسخوا أقدامهم من جديد بعد رفض قاطع دون مستوى 70 دولاراً أمريكياً للبرميل، حيث تأكد الآن مستوى 68.50 دولاراً أمريكياً للبرميل باعتباره مستوى رئيسياً للدعم. ولكن الانحدار نزولا من ارتفاعات ديسمبر القياسية عند مستوى 75.45 دولاراً أمريكياً للبرميل تماسك من جديد، وكسْر هذا المستوى صعودا وحده هو الذي من شأنه أن يدلّ على ارتفاع محتمل، في البداية في اتجاه 76.75 دولاراً أمريكياً للبرميل يعقبه مستوى 78 دولاراً أمريكياً للبرميل.
ويتواصل التعامل في الذهب تحت رحمة التقلبات التي تشهدها قيمة الدولار الأمريكي. فالارتفاع بنسبة 5 في المائة من مستوياته الدنيا السابقة يوم الجمعة الماضي كان مدفوعاً في المقام الأول بجني الأرباح من مراكز الدولار الطويلة. وأدت مقاربة ألمانيا الفاترة تجاه الحل اليوناني علاوةً على رفع الصين لمتطلبات الاحتياطي إلى عودة السوق للانخفاض من جديد.
ولم يشهد أكبر صندوق ذهب متداول في البورصة في العالم وهو صندوق (SPDR Gold Trust) إلا استرداداً بنسبة 0.5 في المائة أثناء بيع التصفية الذي بلغت نسبته 6 في المائة الأسبوع قبل الماضي، مما يدل على أن المستثمرين ما زالوا ينظرون إلى المرحلة الحالية باعتبارها تصحيحاً لا تغيراً في الاتجاه. والاتجاه الصعودي في الوقت الحالي محدود بالمقاومة عند مستوى 1109 دولار أمريكي للأوقية باعتباره خط الاتجاه من أعلى المستويات التي بلغها المعدن الثمين في ديسمبر 2009، في حين أن الدعم يتمثل في المستوى المنخفض الذي شهده مؤخرا عند 1045 دولاراً أمريكياً للأوقية، يعقبه المتوسط المتحرك لمدة 200 يوم عند 1026.50 دولاراً أمريكياً للأوقية.
ويمكن أن تعاني المعادن الصناعية أكثر من غيرها جرّاء التضييق الصيني، حيث سيتساءل المتعاملون إلى متى ستدوم هذه العملية وما نوع الأثر الذي ستحدثه على النشاط الاقتصادي الحالي. وقد ظلّ النحاس عالي الجودة تسليم شهر مايو، والذي ارتفع بنسبة 12 في المائة من مستواه المنخفض عند 283 دولاراً أمريكياً يوم الجمعة الماضي- يبحث عن الدعم حيث توقف هذا الارتفاع فجأة.