بين التنمية والآيدلوجيا

18/06/2014 2
مازن السديري

برغم مظاهر الفقر التي تراها في وطننا العربي، وبرغم أحداث "الخريف العربي" التي أسقطت جمهوريات "الخردة" بسبب فشلها في تحقيق أي تنمية تذكر لشعوبها، إلا أن نسبة الفقر في العالم العربي أفضل بكثير من الدول النامية، ولاتزال عواصمها تمتلك بنية تحتية أكثر تقدماً.

ابتداء مثلاً بالقاهرة برغم مظاهر الفقر والتحديات الحالية فإن بنية القاهرة أفضل من "نيودلهي" وهي عاصمة لأكبر ديمقراطية في العالم، تجد هذا سواء في مستوى الشوارع والمباني والأسواق والسلع ونوع الأجهزة المستوردة وغلائها وما يعكس ذلك من قدرة استهلاك تتحمل هذه التكاليف قياساً "بنيودلهي" التي يندر أن ترى فيها مبنى إسمنتياً أكثر من طابق إذا لم يكن فندقاً أو مبنى حكومياً، وطوابير من الفقراء مستلقين على الشوارع بشكل يعيق حركة السيارات في شوارع "نيودلهي". وتوجد مظاهر أخرى أكثر وأكبر في "مومباي" ولكنها تمتلك بنية تحية أفضل قياساً بالعاصمة.

ما أريد أن أقوله هو أن نسب الفقر في الوطن العربي ليست مرعبة لو قارنتها بدولة تعد اليوم في معيار دول الأول النامية.

فمثلا حسب تصنيف وكالة الاستخبارات الأمريكية فإن نسبة الفقر في البرازيل أعلى من مصر - وإن كان يعاب على التصنيف عدم تناسب السنوات لكنها تعطي فكرة عامة - برغم امتلاك البرازيل لكثير من الموارد الخام والثروات الطبيعية، أضيف أنه باستثناء السودان واليمن فإن نسب الفقر في الوطن العربي تأتي في ترتيب متأخر عالمياً وأقل بكثير من دول أفريقيا والتي تصل نسب الفقر فيها إلى 70% كمتوسط، وأعتقد بأن نسب الفقر العالية في السودان واليمن "46%,45%" تعود غالباً لسببين استثنائيين أولاً الحروب الأهلية وثانياً التعقيد الجغرافي.

كل هذا لا يلغي حقيقة أن الوطن العربي شهد الكثير من الترهل والفساد وتراجع النمو بشكل كبير وأصبح باختصار دولاً نفطية ودولاً تعتمد على دخل الدول الأخرى النفطية.

والسبب لم يكن يعتقد في الماضي عندما كان أغنى وأفضل من أغلب دول العالم أن التنمية الاقتصادية هي ركيزة استقراره في ظل تفاؤله بموارده الطبيعية وتبذيره لرأس ماله البشري من طبقة مثقفة واعية تشردت بين المنفى والسجون والقبور، والدليل أنه كان حريصاً على موارده الطبيعية وأصوله، أكثر من البشرية مثل تأمين آبار النفط في العراق وقناة السويس والكثير غير، دون تأمين قاعدة تطوير بشري "نفس عدد الجامعات منذ أيام الاستعمار وإن كانت زادت بعدد الأصابع" وافتقاد بيئة إنتاج لهم.

أخيراً بعكس فكر قادة الصين وكوريا الجنوبية في السبعينيات الذين راهنوا على التنمية الاقتصادية أخذ قادة الوطن العربي يراهنون على الإيدلوجيا مثل تبني الإخوان في مصر والتيارات القومية المتعصبة مثل البعث في سورية، كركيزة استقرار، والنتيجة تقدم العالم وتخلفنا، وبرغم كل ذلك تظل للوطن العربي فرص النهوض والعودة للأمام، فكما ترون فهو برغم كل أزماته يظل أقل فقراً بكثير من غيره ويمتلك قاعدة ثروات يستطيع استخدامها.

نقلا عن الرياض