الهند والغاز الأمريكي المسال

17/06/2014 1
د. سليمان الخطاف

أدى النمو الكبير فى انتاج الغاز الطبيعى فى امريكا بعد عام 2010م وانخفاض الاسعار تباعاً الى جعل امريكا مركزاً رئيساً لتصدير الغاز الطبيعى لباقى دول العالم. 

وسوف يستمر النمو فى انتاج الغاز الصخرى ليصل الى 53% من اجمالى الغاز الطبيعى المنتج فى عام 2040م حسب ادارة معلومات الطاقة الامريكية. وبالطبع فان هذه الوفرة في انتاج الغاز الطبيعى أدت الى زيادة كبيرة في العرض وبالتالى الى انهيار الاسعار في السوق الامريكي.

وتعد امريكا أكبر منتج للغاز الطبيعى في العالم، حيث أنتجت فى عام 2012م 681 بليون متر مكعب من الغاز الطبيعى منها 265 بليون متر مكعب غاز صخرى. وهى ايضا أكبر مستهلك للغاز الطبيعى في العالم. 

ولقد انخفضت أسعار الغاز الطبيعى فى امريكا نتيجة لهذه الوفرة فى الاحتياطيات وفى الانتاج.

فبعد ان وصلت الى 12.7 دولار للمليون وحدة حرارية فى منتصف عام 2008م انهارت الاسعار فى شهر ابريل من عام 2012م لتصل الى أقل من 2 دولار للمليون وحدة حرارية. 

ثم بدأت في الارتفاع وهى الآن تتراوح بين 4-5 دولارات، ولا يوجد سعر موحد للغاز الطبيعى في العالم، وتختلف أسعاره في العالم باختلاف الدول فهو يباع بـ «0.75» دولار بالمملكة العربية السعودية ويباع في أمريكا بحوالى 5 دولارات وفى اوروبا بحوالى 12 دولارا، وفى آسيا وصلت أسعار الغاز الطبيعى المسال الى 16-17 دولارا للمليون وحدة حرارية.

ولقد رافق الانخفاض فى أسعار الغاز بامريكا ارتفاع فى الأسعار العالمية سواء فى آسيا (الغاز المسال) أو في اوروبا (الاحتكار الروسى)، وبهذا تعد أسعار الغاز الطبيعى فى الولايات المتحدة الاقل فى العالم الصناعى. 

لذلك اتجهت أنظار شركات انتاج الغاز الصخرى فى امريكا لتصدير الوفرة من انتاجهم الى اوروبا وشرق آسيا لتستفيد من الفرق الكبير في أسعار الغاز بين امريكا وآسيا واوروبا. 

وتقدم الى الآن للحكومة الامريكية 23 طلبا لمشاريع تصدير للغاز المسال بغرض طلب الموافقة لهم بالتصدير، وتبلغ الطاقة الاجمالية لهذه المشاريع  المتقدمة بطلب الرخصة حوالى 300 بليون متر مكعب سنوياً، أي حوالى 42% من الاستهلاك الامريكى. 

بالطبع لن يسمح بتصدير كل هذه الكميات لانها سوف تضر الصناعة الامريكية، وسوف تحدث ارتفاعاً فى أسعار الغاز الطبيعى ما سيؤثر سلباً على الاقتصاد الامريكى.

ولقد سمحت الحكومة الامريكية الى الآن لسبعة مشاريع بتصدير الغاز المسال الى اوروبا وشرق آسيا وغالباً سيبدأ التصدير فى عام 2015م. 

وتصل قيمة الكمية المسموح بتصديرها الى الآن للمشاريع السبعة حوالى 57 بليون متر مكعب سنوياً أو 42 مليون طن متري سنوياً.

ومن المتوقع ان تنتج امريكا فى عام 2016م حوالى 725 بليون متر مكعب من الغاز الطبيعى فتصبح نسبة تصدير الكميات المسموح بها الى الكميات المنتجة حوالى 8%.

ويتوقع أن يؤدى تصدير الغاز الصخرى الامريكى الى رفع سعر الغاز الطبيعى في امريكا الى حدود 6 دولارات للمليون وحدة حرارية وهو سعر لا يزال أقل بكثير من أسعار الغاز المسال أي ان هذا الارتفاع في حدود المقبول والمعقول.

وتحاول عدة شركات عالمية (شركات بريطانية وفرنسية واسبانية ويابانية وهندية) الاستفادة من الطفرة الامريكية بانتاج الغاز الصخرى بالاستثمار والاسراع بتوقيع عقود طويلة الامد لاستيراد هذا الغاز المنتج على الاراضى الامريكية.

ومن هذه الشركات شركة جايل الهندية للغاز التى أبرمت عقداً مع شركة سابين الأمريكية لتوريد 3.5 مليون طن غاز مسال سنوياً للهند خلال 4 سنوات.

وتقدّر تكلفة هذا الغاز وصولاً الى الهند بما بين 12-13 دولارا للمليون وحدة حرارية.

الجدير بالذكر ان العقود الامريكية الجديدة تم ربطها بسعر الغاز الطبيعي السائد في أمريكا (هنري هب) بدلاً من سعر النفط، لذلك يهرول كثير من الشركات العالمية لتوقيع عقود مع الشركات الامريكية لان مقياس التسعير مختلف عن مقياس تسعير الغاز المسال القطرى أو الماليزى الذى عادة يرتبط مباشرة بأسعار النفط العالمية.

وتعتبر أسعار الغاز المسال الامريكى أرخص بحوالى 3-5 دولارات من أسعار الغاز المسال فى شرق آسيا، وبذلك كانت هذه الشركة سباقة للفوز بعقد من الغاز المتوسط السعر. 

كما قامت شركة جايل بتوقيع عقد آخر لتوريد 2.3 مليون طن سنوياً من مصانع التسييل فى منطقة كوف بوينت فى ميرى لاند.

وستدفع الشركة الهندية ايضاً حوالى 13 دولارا للمليون وحدة حرارية، وسوف تقوم ببيع هذا الغاز لشركات أخرى، لكن بأسعار الغاز المسال العالمية فى شرق آسيا وهى حوالى 18-16 دولارا للمليون وحدة حرارية.

 وبهذا تكون هذه الشركة قد ربحت حوالى 3-5 دولارات فى كل مليون وحدة حرارية.

ولو افترضنا ان الشحنة الثانية التى تم التعاقد عليها - وهى 2.3 مليون طن - للبيع وليست للاستهلاك، ولنفرض ان 2.3 مليون طن من الغاز المسال يعادل 120 تريليون وحدة حرارية وان ربحية المليون وحدة حرارية قد تصل في المتوسط الى 3 دولارات على اقل تقدير.

فهذا يعني ان شركة جايل الهندية قد تربح حوالى 350 مليون دولار سنوياً فقط من تحويل هذه الشحنات لمشتر آخر.

ولا شك في ان مستوى أسعار 12-13 دولارا للمليون وحدة حرارية للغاز المسال فرصة قد لا تتكرر لان أسعار الغاز المسال وصلت فى شهر فبراير الماضى فى اليابان الى 20 دولارا للمليون وحدة حرارية.

وتبيع حالياً روسيا الغاز الطبيعى الى اوروبا عبر الانابيب بحوالى 12 دولارا للمليون وحدة وعادة تكون أسعار الغاز المسال أعلى بكثير من الغاز الطبيعى المنقول عبر الانابيب.

لا شك في ان عالم المال والاعمال يحب اقتناص الفرص وقد يكون توقيع هذه العقود فرصة للشركات الهندية، لكن مع وجود بعض المخاطر وهى امكانية هبوط أسعار الغاز المسال فى عام 2016م الى حوالى 10 دولارات للمليون وحدة مع بدء انتاج وتصدير استراليا وايران وروسيا وافريقيا كميات كبيرة من الغاز المسال التى مازالت غير خاضعة لمعايير الاسواق العالمية.

إذ توجد تسعيرة باليابان وتسعيرة بامريكا وتسعيرة بالشرق الاوسط وتسعيرة باوروبا وكل آلية للتسعير تختلف عن الأخرى، والفائز من ينال عقدا طويل الامد بأسعار منخفضة.

نقلا عن اليوم