تحدثنا كثيرًا عن أهمية تنوّع الاقتصاد السعودي في ظل ما يوصف به من أنه اقتصاد ريعي، حيث اعتماده شبه الكلي على بيع النفط والغاز ومشتقاتهما، وبما يوصف بصناعة (الهيدروكربونات)، والآن وأكثر من أي وقت مضى أصبحت الحاجة ملحّة لهذا التوجّه وهذا في الحقيقة لم يغفله القائمون على العمل والمبادرة على تنوّع الاقتصاد السعودي، حيث شهدت العقود السابقة عدة مبادرات، ولعل أهمّها تشجيع الصناعات غير البترولية، ودعم التصدير وإنشاء صندوق التنمية الصناعي، ودعم توجّه وتسهيل جذب الاستثمار الأجنبي والمدن الاقتصادية والكثير، ومع كل هذه المبادرات لم نصل الى الحد الذي نستطيع القول فيه إن مستوى التنوّع الذي وصل إليه الاقتصاد اصبح مقنعًا بالشكل الذي يلبّي طموحات ومتطلبات دولة بحجم المملكة.
نشرت الأسبوع الماضي وكالة (ستانفورد اند بورز ) تقريرًا قالت فيه إن الاقتصاد السعودي غير متنوّع وأن ٨٥٪ من صادرات السعودية هي صادرات نفطية، وأن نقطة التعادل لموازنة الحكومة تبلغ ٨٥ دولارًا للبرميل الواحد للبترول، وأن نصيب الفرد من الناتج المحلي للعام ٢٠١٤ م يقدّر بـ ٢٦ ألف دولار أمريكي، وبهذه المؤشرات وغيرها تنبع أهمية الالتفاتة في الوقت الحالي للعمل على تطوير نموذج اقتصادي يلبّي طموحات المملكة وشعبها لعقودٍ قادمة من الزمن طالما الفرص والإمكانيات متاحة حاليًا وبشكل كبير، حيث إن المملكة وصل استثمارها السيادي الى ما يفوق ٦٠٠ مليار دولار في العام ٢٠١٣م، وهذا ما ذكره التقرير نفسه، أي أن الدولة لديها المقوّمات والإمكانيات للبحث عن مصادر أخرى غير قطاع الهيدروكربونات، يمكن من خلاله أن تبني حصانة قوية ومتينة للاقتصاد السعودي لأجيالٍ قادمة.
وفي واقع الأمر أن المملكة لديها مقوّمات كبيرة تساعدها على زيادة الدخل غير النفطي، وكذلك تساعدها على التحوّل تدريجيًا من الاقتصاد الريعي الى الاقتصاد المنتج، وهذا مطلب أساسي منذ عقود، والحكومة تبحث عن ذلك، ومع ذلك فالأمور تسير ببطء في هذا الاتجاه رغم توافر الإمكانيات والخبرات، وقد يكون المخرج المهم والمطلوب لدعم هذه الرؤية ولبناء النموذج الاقتصادي المأمول هو التركيز على الصناعة بشكل أكبر خاصة الصناعات غير البترولية، والمملكة «ولله الحمد» لها تجارب رائدة وناجحة في قطاع التصنيع، وتعتبر من الدول الرائدة في هذا المجال في الشرق الأوسط، ولكن الواقع الواضح يقول إن حاجة المملكة أكبر مما أنجز سابقًا ونحتاج الى أضعاف ذلك مستقبلًا.
يظل هاجس تنوّع الاقتصاد السعودي واستقراره أمرًا مهما ليس للمملكة وشعبها فقط، ولكن للكثيرين من الأمم والجهات والمنظمات، والمملكة بموقعها الديني المؤثر والجغرافي وعلاقاتها السياسية والاقتصادية المتميّزة مع غالبية دول العالم من باب المصالح والمنافع المشتركة، يتطلب منها دائمًا الحفاظ على هذه المكتسبات وتعزيزها بأخرى تدعم موقف الدولة في كافة الظروف المتوقعة وغير المتوقعة، وهذا ما اعتدناه من سياساتٍ حكيمةٍ ومستقرة، انتهجتها المملكة منذ تأسيسها، وكلّي أمل ومعي الكثيرون من أبناء هذا الوطن أن أشاهد تحويل هذه المكتسبات والمزايا الى واقع اقتصادي أكثر تميّزًا وأقل خطورة وأكثر استقرارًا في قادم الأيام.
نقلا عن اليوم