من المهم للغاية أن يخرج اقتصادنا الوطني عن مسار الريعية باعتماده على ناتج واحد رئيسي من خلال التنوع وفتح الاستثمارات وتعزيزها في قطاعات مؤثرة وفاعلة في المشهد الاقتصادي، مثل العقار والسياحة والتوسع في البتروكيماويات، وهي التي أتناولها في هذا الإطار؛ نظرا لما تتمتع به بلادنا من وجود شركات عملاقة ومدن مهيأة تحتيا وتقنيا لتطوير هذه الصناعة التي توفر كثيرا من المنتجات ومشتقات النفط.
الصناعات البتروكيماوية أصبحت أحد أبرز الاستثمارات المعاصرة، حيث توفر كثيرا من المنتجات التي يطلبها السوق المحلي والدولي، وتنطوي على استثمارات هائلة يمكن أن توجد مشروعات نوعية وكمية تعتمد على التقنية وتطوير الموارد البشرية بصورة مذهلة قياسا بالجوانب البحثية فيها واكتشاف طاقات الأفراد وتحفيزهم للإبداع والابتكار وفتحهم على علوم الآخرين ومنجزاتهم في تطوير المشتقات النفطية والدخول في العديد من الصناعات ذات الارتباط الاستهلاكي في المجالات المختلفة، صناعيا أو زراعيا وغيره.
ولكن للأسف، فإن الشركات العاملة في القطاع البتروكيماوي لا تزال تواجه تحديات جسيمة تتعلق بنشاطها ونموها الانتاجي والاستثماري، وليس هناك من مبرر حقيقي لأي تعثر في توسع ونمو هذه الشركات؛ لأنها تفتح لنا مسارا جانبيا للنشاط النفطي ينبغي أن ندعمه ونعمل بصورة استراتيجية من أجل أن يرتقي ويستوعب المزيد من أبناء الوطن، فنشاطها يوفر قدرات ومسارات تقنية هائلة توجب الاستفادة منها، وحين يكون هناك تعثر فتلك مشكلة تتطلب معالجات سريعة ومهمة بقدر أهمية هذا القطاع الحيوي.
الصعوبات التي تواجه شركات البتروكيماويات تعود الى نقص الغاز الطبيعي والإيثان الداعم لهذه الصناعة، وحين يصرح مسؤول أن هناك صعوبات حقيقية في نمو هذه الشركات، فذلك كفيل بدق ناقوس الخطر؛ لأن الفرصة الاستثمارية التي تتوفر لشركاتنا الوطنية قد لا تتوفر لكثير من الشركات الأجنبية الأخرى، وبالتالي فإننا نعمل على تضييع فرصة مثالية ثمينة لا تزال بين أيدينا ونتحكم فيها بدرجة كبيرة تؤثر حتى على السوق الدولي، وما يذهب من مثل هذه الفرص قد لا يعود مجددا لأن الآخرين يمضون ويخططون ويغتنمون الفرص.
خلاصة معاناة أو مشكلة الشركات البتروكيماوية يطرحها المهندس محمد الماضي الرئيس التنفيذي لشركة سابك بقوله: "كنا في الماضي نتوسع بسبب توافر الغاز، لكن شح الغاز والتنافس عليه من جهات كثيرة جعل التوسع الداخلي صعباً جداً"، وتلك مفارقة استراتيجية يجب إعادة النظر فيها بزاوية علمية تحفظ لتلك الشركات حقوقها الأصيلة في النمو والتطور، وبالمناسبة كنت قد تحدثت مع المهندس الماضي وعرضت عليه إمكانية توفير الغاز لهم من جهة تمتلك مخزونا ضخما، إلا أنه أغلق الموضوع بوضع شروط تعجيزية، رغم أنني بذلت جهودا كبيرة لتحقيق ذلك، وفي كل الاحول، علينا أن ننظر الى المنطقة الشرقية وعاصمتها الدمام باعتبارها إحدى مدن الطاقة العالمية، والتي يجب أن تبقى في دائرة المنافسة وتتقدم بشركاتها ومؤسساتها وتوفر لها كل المعينات اللوجستية التي تحتاجها.
لا ينبغي على الإطلاق أن تتعثر الشركات البتروكيماوية لأي سبب كان، ويجب دراسة توفير متطلباتها وتوفيرها بصورة مستمرة أسوة بإنتاج النفط والغاز؛ لأنها أحد أهم وأبرز مساراتنا الاقتصادية على الصعيدين المحلي والدولي، ويجب الحذر من المساس بأي دعم أو حوافز أو مدخلات خاصة بنشاطها؛ لأنه يكتسب أهمية وقيمة تنموية عالية التقدير، وهي في الواقع جزء من المستقبل الذي يجب أن يمضي بخطى علمية مدروسة.
نقلا عن اليوم