استقر معدل التضخم في قطر في الشهور الأولى من العام وحتى شهر أبريل ما بين 2,6-2,8%، وهو مستوى منخفض، ويعكس استقرار الأسعار في السنة الأخيرة، نتيجة جملة من العوامل التي ساهمت في حدوث ذلك.
فمعدلات الإيجارات قد طرأ عليها ارتفاعات محدودة، في الوقت الذي انخفضت فيه أسعار سلع وخدمات أخرى، واستقرت أسعار بقية المجموعات بارتفاعات طفيفة.
وشهدت الفترة ذاتها ارتفاعا محدودا في سعر صرف الريال القطري أمام العملات الرئيسية كاليورو والين، مما ساهم في عدم ارتفاع أسعار السلع المستوردة إلى قطر.
ومن جهة أخرى فإن معدل النمو الاقتصادي قد بلغ 6,6% في عام 2013 مقارنة بـ 6% في العام السابق 2012، وهو معدل متوازن إذا ما قورن بمعدلات النمو المرتفعة التي تحققت في السنوات السابقة.
وقد ساعدت هذه الأرقام من حيث النمو المتوازن مع انخفاض معدل التضخم دون مستوى 3%، على استقرار السياسة النقدية لمصرف قطر المركزي، حيث بقي معدل إيداع البنوك لديه عند مستوى 0,75%، وبقي معدل اقتراضها منه عند مستوى 4,5%، بدون تغير لقرابة ثلاث سنوات، وتحديداً منذ 10 أغسطس 2011.
الجدير بالذكر أن سعر فائدة إيداع البنوك لدى بنك الاحتياط الفيدرالي في الولايات المتحدة قد ظلت مستقرة خلال الفترة المشار إليها ما بين الصفر إلى 0,25%، وذلك أبقى معدل الفائدة على ودائع الريال أعلى من نظيرتها على الدولار عند هامش يعادل أو يزيد عن 0,5%.
وبالمقارنة فإن فائدة الإيداع على اليورو قد تم تخفيضها في الأسبوع الماضي من جانب البنك المركزي الأوروبي إلى ما دون الصفر لأول مرة في التاريخ، في محاولة لدفع البنوك إلى إقراض الأموال للأفراد والشركات بدلاً من إيداعها لدى المركزي الأوروبي. وتأتي هذه الخطوة الأوروبية في وقت انخفض فيه معدل النمو الاقتصادي المتوسط لمجموعة الدول إلى 0,2% ، وانخفض معدل التضخم إلى 0,5% في شهر مايو الماضي.
هذا النجاح المشهود في إبقاء معدل التضخم في قطر منخفضاً نسبياً، أمراً مهماً في هذه المرحلة الإنتقالية التي ستعبر بها البلاد إلى مرحلة تاريخية من التوسع في الإنفاق على البنية التحتية، اعتبارا من عام 2016.
الجدير بالذكر أن السنة المالية قد تم تعديلها لتبدأ من الأول من يناير بدلاً من الأول من إبريل، وأن العمل بهذا النظام الجديد سيتم في الغالب اعتبارا من الأول من يناير عام 2016، بعد تمديد السنة المالية الحالية 9 شهور لتنتهي مع نهاية ديسمبر 2015.
وقد وعدت وزارة المالية في بيانها عن الموازنة في الأول من إبريل الماضي بأن تعمل على مواجهة أية ضغوط تضخمية محتملة قد تنشأ عن التوسع في الإنفاق المالي أو نتيجة لتحقيق الموازنة العامة للدولة فائضاً مالياً كبيراً.
وفي حين لم يضطر مصرف قطر المركزي لتغيير سياسته النقدية للتصدي لتلك الضغوط المحتملة على نحو ما أشرنا في بداية المقال، فإن وزارة المالية وبالتنسيق مع المصرف المركزي قد واصلت عمليات الإصدار الشهري لاوذنات الخزينة بواقع 4 مليار ريال شهرياَ، لامتصاص فائض السيولة لدى الجهاز المصرفي في قطر.
لكن معدلات الفائدة على الريال لن تظل مستقرة لأكثر من سنة أخرى، وربما اضطر مصرف قطر المركزي إلى رفع المعدلات قبل عام 2016، إذا ما قام بنك الاحتياط الفيدرالي الأمريكي بخطوة في اتجاه رفع معدل الفائدة الاتحادية على الدولار في عام 2015.
وقد أصبحت هذه الخطوة متوقعة بعد التحسن المستمر في معدل نمو الاقتصاد الأمريكي، وانخفاض معدل البطالة في شهر مايو إلى 6,3% وهو أدنى مستوى له في 6 سنوات، أي منذ ما قبل الأزمة المالية العالمية.
وإذا ما حدث ذلك، فإن السياسة النقدية لمصرف قطر المركزي بعد عام 2015 ستكون عونا للسياسة المالية في مواجهة تصاعد التضخم، عن طريق رفع معدلات الفائدة على الريال، وباستخدام بعض الأدوات الكمية الأخرى.
الجدير بالذكر أن الرقم القياسي لأسعار المنتجين الذي صدر عن جهاز الإحصاء مؤخراً عن شهر مارس قد أظهر تراجع الرقم عن الفترة المناظرة من العام السابق بنسبة 0,4% على عكس الرقم القياسي لأسعار المستهلك التي كانت ترتفع في نفس الفترة بمعدل 2,7% كما أشرنا في بداية المقال، مما يعني أن الرقم الخاص بأسعار المنتجين لا يصلح استخدامه مقياساً للتضخم في قطر باعتبار أنه يقيس تغير أسعار السلع التصديرية كالنفط والبتروكيماويات، ولا يؤثر بالتالي على أسعار المستهلك التي يقيسها معدل التضخم المعتمد في قطر.