تحدثت الأسبوع الماضي عن أهمية تشخيص مشكلات التعليم حتى نضمن أن ما نتخذه من خطوات تطويرية تصب فعلاً في حل تلك المشكلات، فدون ذلك قد نُسيء من حيث نعتقد أننا نصلح ونطور، وللتأكيد على هذه الحقيقة سأستعرض بعض الأخطاء الواضحة التي ارتكبناها في تشخيص مشكلات التعليم خلال السنوات الماضية، والتي قادتنا إلى حلول أضرّت بالتعليم، أو على أقل تقدير كانت جهوداً مهدرة دون نتائج إيجابية:
1 - أمام الواقع المرير لتعليمنا العام والتدهور المستمر في مخرجاته، هناك من رأى أن الحل في إلغاء الامتحانات في المرحلة الابتدائية واستبدالها بالتقويم المستمر، والذي قادنا إلى تدهور إضافي مهول في مخرجات التعليم، بحيث أصبح معظم الطلاب يتخرجون من الابتدائية دون حتى تعلم مبادئ القراءة والكتابة، رغم أنهم يحملون شهادة تؤكد أنهم قد أتقنوا كافة المهارات المطلوبة في هذه المرحلة المهمة من تعليمهم.
فتطبيق أسلوب التقويم المستمر كان يتطلب هيئة تدريسية تملك الدافعية المناسبة، وهيكلاً إدارياً وتعليمياً يمتلك برامج رقابة عالية الكفاءة تضمان فاعلية التنفيذ، كما يتطلب عدداً محدوداً من الطلاب في الفصل الدراسي ما يضمن حداً أدنى من العناية الفردية لكل طالب وطالبة في الفصل، وكلها متطلبات غير متوفرة، ومن المذهل ألا يدرك من وضع وأقرّ تطبيق هذا الأسلوب هذه الحقيقية الواضحة للعيان، فتكون النتيجة أن يزداد التعليم تدهوراً في الوقت الذي نظن أننا نقوم بجهود لتطويره.
فقبل تطبيق التقويم المستمر كانت الأسر تتابع سير أبنائها دراسياً وتساعدهم على مراجعة دروسهم على الأقل في مواسم الامتحانات، أما في ظل التقويم المستمر فقد أصبحت معظم الأسر تكتفي بالاطلاع على نتائج التقويم المستمر التي تظهر إتقان أولادهم للمهارات المطلوبة، رغم قناعتهم الأكيدة بعدم دقة هذه التقارير ومبالغتها الشديدة في تحديد مستويات أبنائهم وبناتهم، حيث لم يعد أمامهم أي وسيلة للمساهمة في تحسين مستوى تحصيل أبنائهم بإلغاء الامتحانات.
والغريب أن وزارة التربية استغرقت ما يزيد على عشر سنوات حتى تدرك ما أدركه الجميع من أن قرار إلغاء الاختبارات كان خطأ فادحاً يلزم تصحيحه.
2 - أمام التدني الشديد في تحصيل معظم الطلاب في مادة اللغة الإنجليزية، رؤي أن الحل السحري لهذه المشكلة أن يبدأ تدريس اللغة الإنجليزية في الصف السادس بدلاً من الصف الأول متوسط، والآن حتى بدءاً من الصف الرابع الابتدائي.
وكان الأحرى أن ندرك أن هذا التدني في التحصيل ليس خاصاً باللغة الإنجليزية، وأن هناك تحصيلاً محدوداً جداً في كافة المواد بما في ذلك تلك التي يبدأ تدريسها في الأول الابتدائي وليس حتى في الرابع الابتدائي، وأن معظم الطلاب الملتحقين بالمدارس الأهلية والذين يدرسون اللغة الإنجليزية بدءاً من مرحلة الروضة والتمهيدي وليس حتى من الرابعة الابتدائية لا تزيد حصيلتهم الإنجليزية كثيراً على أقرانهم في المدارس الحكومية.
ما يُؤكد أن المشكلة ليست في عدد سنوات دراسة اللغة الإنجليزية، وبالتالي فإن الحل لا يمكن أن يكون في زيادة عددها وأن هناك مشكلات أعمق تواجه نظامنا التعليمي حدّت من مستوى تحصيل الملتحقين به ومن الخطأ تبسيطها بهذا الشكل المخل الذي لا يمكن أن يوصلنا إلى حلول فعّالة.
3 - أمام الضعف الشديد في حصيلة خريجي التعليم العام في الرياضيات والعلوم الطبيعية رأى البعض أن السبب في ذلك يعود إلى كثافة المواد الدينية والعربية وقلة الوقت المخصص للرياضيات والعلوم.. ورغم اتفاقي الشديد مع أهمية زيادة حصة الرياضيات والعلوم الطبيعية في مناهج التعليم العام، إلا أن هذا بحد ذاته لا يُمثّل حلاً للمشكلات الحقيقية التي تسببت في تدني تحصيل الطلاب في هذه المواد.
فلكي تكون المشكلة في كثافة المواد الدينية واللغوية على حساب الرياضيات والعلوم الطبيعية فإن خريجي التعليم العام يجب أن يتصفوا بحصيلة قوية في الدين واللغة العربية، فنجدهم على سبيل المثال قد حفظوا المعلقات العشر وعشرات الأجزاء من القرآن الكريم في الوقت الذين يتصفون بضعف في حصيلتهم في الرياضيات والعلوم الطبيعية، لكن الواقع يظهر أن تحصيلهم في علوم الدين واللغة حتى أقل تدنياً من حصيلتهم في الرياضيات والعلوم الطبيعية، فالكثير منهم بالكاد يحفظ سورة الفاتحة، وقد يجد حتى صعوبة في أن يقرأ ويكتب.
بالتالي، فالقول بأن مشكلة التعليم هي في هيكلية المناهج التعليمية هروب إلى الأمام وادّعاء يفتقر إلى المصداقية، سيقودنا حتماً إلى حلول ستفشل في تمكيننا من التغلب على المشكلات الحقيقية التي تواجه نظامنا التعليمي.
هذه الأمثلة تظهر أننا مطالبون أكثر من أي وقت مضى باستثمار أكبر جهد ممكن في تشخيص مشكلات نظامنا التعليمي بشكل سليم، كما تؤكد أن هناك مشكلات أعمق وأعصى على الحل تتسبب في تدني مستوى مخرجات نظامنا التعليمي ومع ذلك لم نعرها اهتمامنا حتى الآن، ما جعلنا ندور في حلة مفرغة نُهدر من خلالها جهوداً وموارد ضخمة فيما يواصل تعليمنا العام أداءه المتراجع عاماً بعد عام.
نقلا عن الجزيرة
ابق على اطلاع بآخر المستجدات.. تابعنا على تويتر
تابِع
اتفق مع ماذكرته استاذي الكريم ... ولي شواهد بسيطه عانيتها مع أبنائي الا وهي التحصيل في المدرسه .. التحصيل ضعيف جداً يصل الى درجة الصفر ، ولا ألاحظ اكتساب وتلقي واستعداد للطالب في المنزل مما حدده المدرس في سجل الواجبات (ابتدائي) ، ونظراً لكثرة الطلاب في مدارس المدن فلا أظن ان المدرس سيجد الوقت الكافي لتدوين الملاحظات والواجبات فما بالك بتدريسهم الى درجة استيعاب يمكن ان يتولى ترسيخها والداه في المنزل . ... انما يعتمد مدرسي الجيل الحالي على المنزل لتعليم الطلاب وتحفيضهم وهو ظلم كفة الميزان وترجيحها الى طرف عن طرف ... فواجب المنزل هو التثبيت وليس التعليم والمنزل تربوي أكثر منه تعليمي ، فالامر الامر الاخر في سلم التدهور هو تسليم مدرس واحد جميع مواد الفصل "كمسؤول" على عكس الزمن السابق وهي توزع المواد على جميع المدرسين بشكل تخصصي مما يشكل عبئ مضاعف على المنزل وتفرغ للتدوين على سجل الواجبات والتصحيح من المدرس ..... في نظري البسيط يجب اعادة النظر في مستوى مدرسي الصفوف الاولى 1-2-3 في المرحلة الابتدائية "حسب ماعانيته في ابنائي الصغار .... مع العلم ان لدي ابناء كبار سبقوهم في الدراسه بمراحل
تابعت مقالك الاول والثاني ..........وليس لدي ان اقول الإ ...." صدقت وبالحق نطقت"
جزى الله الدكتور السلطان كل خير ولدي بعض الاضافات اولا الثقافة المجتمعية فالطالب يتغيب عن المدرسة اول الفصل واخره وكذلك يسهريسهر الليل عند البوفيهات والبلاي استيشن ثم يتأخر عن المدرسة ثم ينام في الفصل ثانيا مقولة نجح نجح ولايرسب احد حتى لايكلف الدولة او يكثر التسرب حتى اصبح يدخل الثانوية والجامعة كل من هب ودب ولعلمكم لايدخل الثانوية في مص مثلا الا من حصل على مجموع فوق الثمانين اما البقيةفيذهبون الى معاهد صناعية وفنية والطالب المصري القادم من عندنا لايدخل الجامعة الا بعد دراسة ثالث ثانوي لمعرفتهم بضعف التحصيل عندنا ثالتا كثرة عدد الطلاب عندنا مشكلة ازلية لم تعالجها الوزارة فا لمعلم اصبح عاجزا عن ادراك الفرق الفردية فضلا عن حل مشكلة صعوبة التعلم عند بعض الطلاب المساكين وللحديث بقية
امل الاطلاع على التجربه الفلنديه والتي تعتبر افضل نظام تعليمي في العالم ورقم واحد في العلوم والرياضيات على مستوى العالم على الرابط (http://m.youtube.com/watch?feature=youtu.be&v=0__9s3A2pcA)
احسنت ولااتفق معك ان مستوى اللغه الانجليزيه في مدرسه اهليه وحكوميه متساو....وأرى استاذي ان للصراع الفكري بين التيارات في السنوات الماضيه كبير الاثر في مشكله التعليم ولاننسى ان دور الأهل في المنزل ضعيف أو مفقود فلاهناك دعم ولا رقابه لدرجه ان يترك الطفل دون وجبه افطار؟.اتابع دروس ابنائي بدقه واحيانا اصحح اخطاء معلمين ومعلمات لذلك دور الاهل مهم جدا مهما كانت كفاءه المؤسسه التعليميه