الاستحواذات الاستراتيجية في عالم البتروكيماويات

13/05/2014 0
د. سليمان الخطاف

تقوم الشركات بالاندماج أو بالاستحواذ على شركات أخرى؛ لكي تحصل على ميزات جديدة: كتقنيات أو أسواق لم تكن تملكها.

وتعرف عملية الاندماج بأنها التحام شركتين أو أكثر وقيام شركة جديدة تنتقل إليها ذمم الشركات المندمجة، وهنا يحتفظ المساهمون بالشركتين بأسهمهم.

 أما الاستحواذ: فهو شراء شركة لأصول وموجودات شركة أخرى، وانتقال ملكيتها إلى الشركة المالكة.

وفى عالم البتروكيماويات تشتهر هذه الممارسات لما لها من فوائد مثل: التوسع في منتجات جديدة ومتطورة تساعد الشركات على النمو واكتساب أسواق جديدة.

فإذا كان جزء من شركة غير موفق ولا يجلب ربحاً للشركة الأم فغالباً يتم بيعه، والتركيز على انشطة الشركة الرابحة.

 وخير مثال على ذلك، استحواذ شركة سولفى البلجيكية على روديا. وكانت سولفى قد باعت قطاع الادوية لديها مما جعلها تمتلك المال اللازم؛ للتوسع والتركيز على صناعة الكيماويات.

لم تكن سولفى تنتج الا مادة الصودا الكاوية ومادة PVC وهذا يجعلها محدودة وضعيفة بالمنتجات الكيماوية مقارنة بروديا، التي تنتج مواد كيماوية كثيرة ومتخصصة مثل: البلاستيك والمطاط.

ورغم عدم وجود أى تقاطع بينهما إلا أن هذا الاستحواذ قد مهد لسولفى الطريق للتوسع عالمياً والدخول إلى آفاق وأسواق جديدة.

ولذلك تعتبر سياسات الاندماج والاستحواذ من السياسات الايجابية التي تفيد الشركات، والتي غالباً ما تبحث عنها الشركات الكبرى؛ لتقوية دورها فى مكان ما أو في صناعة معينة. 

ومن الملفت للنظر الآن الرغبة الكبيرة من قبل الشركات الصينية للاستحواذ على أجزاء من الشركات الغربية.

تملك الشركات الصينية الكثير من المال، وفي المقابل هنالك الكثير من الشركات المتعثرة، والتي تمتلك تقنيات مفيدة.

ودخلت الشركات الصينية بقوة على شركات غربية قائمة في مجال النفط والغاز والبتروكيماويات. واستحوذت على اجزاء كبيرة من شركات امريكية وكندية مشهورة في قطاع النفط والغاز الصخرى. 

ولأن كثيراً من الشركات البتروكيماوية الأوروبية تواجه حالياً مصاعب مالية، فهي هدف لاستحواذها. ومن الأمثلة على ذلك استحواذ مجموعة وان هو الصينية على شركة هنغارية تقوم بإنتاج البولى يورثين ومادة PVC.

ويتوقع أن يواجه العالم منافسة قوية في إنتاج البولى ايثيلين؛ بسبب الكميات الكبيرة القادمة من امريكا فى السنوات الخمس القادمة.

ولذلك على المنتجين الحاليين التفكير بجد إما التقدم بانتاج مواد جديدة ومتخصصة وذلك عن طريق الاستحواذ على الشركات الصغيرة صاحبة التقنيات المتطورة فى هذا المجال، أو الاندماج مع الشركات الكبيرة.

وسيكون الاستحواذ المثالي لشركة كبيرة تنتج كميات كبرى من البولى ايثيلين بتكلفة منخفضة وشركة أخرى لديها أسواق وتقنيات تسمح بتحويل البولي ايثيلين إلى منتجات جديدة ذات قيمة عالية، يصعب منافستها.

ومن الأمثلة على ذلك، استحواذ شركة النفط العمانية على شركة اكسى الألمانية للكيماويات، المكونة من اتحاد وحدة من شركة سيلانيز ووحدة من شركة ايفونيك، وتقدر قيمة هذه الصفقة بحوالي 2.4 مليار دولار. 

ولا شك أن اكسى لديها تقنيات عالية المستوى فيما يخص الصناعات التحويلية، مثل: الاصباغ والمطاط والمواد التجميلية. 

والجدير بالذكر أن منافس اكسى الرئيس هو عملاق البتروكيماويات العالمية باسف. وستزود الشركة العمانية اكسى بالمواد الأساسية بكلفة أقل مثل: البولى بروبيلين، والبنزين، وغيرها.

وستقوم اكسى بتحويلها الى منتجات نهائية عالية القيمة وبهذا يتحقق الهدف من الاستحواذ وهو الدخول الى اسواق جديدة وامتلاك التقنيات المتطورة.

وتعاني حالياً صناعة البتروكيماويات الأوربية من ضعف مستوى أدائها بسبب ارتفاع تكلفة اللقيم، مقارنة بدول الاوبك النفطية ومقارنة بدول امريكا الشمالية، حيث يزدهر انتاج الزيت والغاز غير التقليدى. 

ولقد انعكس ارتفاع إنتاج امريكا من البتروكيماويات بالاضافة الى ارتفاع إنتاج كل من الصين ودول الخليج العربى على معاناة الشركات الاوروبية، والتى بدأت بالتفكير الجدي بالتخلي عن بعض هذه الصناعات التى تعتمد على ركائز لا توجد فى الارض الاوروبية ألا وهى النفط.

وبدأنا نسمع بين فترة وأخرى إما باغلاق مصانع بتروكيماوية أوروبية؛ لأنها اصبحت خاسرة، أو بعرض شركات كاملة أو اجزاء من شركات كبرى للبيع.

 وقد يكون ضعف شركة معينة مالياً فرصة لشركة أخرى لديها موقع مالي أفضل لشرائها والاستفادة من خبراتها الصناعية والتجارية. 

ويسود الاعتقاد حالياً ان مجموعة باير الالمانية تفكر جدياً بعرض وحدة المواد والتي تضم الكيماويات لديها للبيع والتركيز على صناعة الأدوية؛ مما قد يسمح لها باستحواذ شركة ميرك الامريكية للأدوية.

وتعد مجموعة باير الألمانية والتي يبلغ عمرها 150 عاما من الشركات العالمية الرائدة في مجال العقاقير الطبية والكيميائية.

ولقد بلغت قيمة مبيعاتها حوالي 40 مليار يورو. وتضم المجموعة شركات متخصصة بصناعة الأدوية إضافة إلى تصنيع منتجات بلاستيكية عالية الجودة من البولي كربونات والتي تلقى رواجاً في تطبيقات صناعة السيارات والالكترونيات والبناء.

والجدير بالذكر ان مادة البولى كربونات بديل للزجاج والاكريلك، وتستخدم في تغطية الاسقف للمباني وتغطية الملاعب والمدارس، وتعتبر عازلاً للصوت وتغطية مواقف السيارات والبيوت المحمية.

وتقدر قيمة هذه الوحدة بحوالى 10 مليارات دولار وهى قريبة من القيمة التى دفعتها سابك للاستحواذ على قطاع GE  للبلاستيك فى عام 2007م.

وتحتاج هذه الوحدة الى مادة الفينول والتى يمكن انتاجها من مشتق النافثا النفطي. ولأن أسعار النفط فى ارتفاع فمن المنطقى والمعقول ان تفكر باير فى التخلص من هذه الوحدة والتي يصعب أن تنافس مثيلاتها في العالم.

وتعتبر شركة سابك وخاصة شركة كيان اكبر منافس لباير في انتاج البولى كاربونيت الشفاف. 

وبقى أن نعلم ان باير تنفق على البحث والتطوير حوالى  1.25 مليار ريال سنوياً.

ولقد أبدت شركة ايفونيك الالمانية رغبتها فى شراء الوحدة من باير. وكانت ايفونيك قد اشترت مؤخراً مجموعة هينس الكيميائية المشهورة بصناعة المواد المتخصصة في صناعة السيارات ومواد البناء، والمواد التي تدخل فى بعض المجالات الطبية. 

الأكيد أن باير تمتلك تقنيات وأسواقا وخبرات لا تمتلكها الشركات البتروكيماوية الخليجية.

ولا شك أن استحواذ هذا الجزء من باير يذكرنا باستحواذ سابك الشهير على قطاع GE  للبلاستيك والمتخصصة أيضاً بإنتاج مادة البولى كربونيت.

وقد يساعد تقييم استحواذ سابك على GE للبلاستيك دراسة استحواذ اى شركة سعودية أو خليجية على باير للبلاستيك.

لقد تغيرت كثير من المفاهيم، ونحن في منطقة الخليج بحاجة ماسة للحصول على التقنيات المتطورة والأسواق العالمية.

فإنتاج البولى ايثيلين أو بولى بروبلين لم يعد كافياً للتقدم والنمو؛ لأن العالم بتطور مستمر، ومصادر الغاز الصخري بأمريكا قد تستطيع منافسة اللقيم الخليجي الرخيص.

ومن هنا، يأتي دور التفكير الاستراتيجي وبعد النظر، والفائز هو من يتقدم خطوة إلى الأمام قبل الآخرين.

نقلا عن اليوم