أسعار النفط المستقبلية في الأسواق العالمية

06/05/2014 1
د. سليمان الخطاف

لا تزال اتجاهات أسعار النفط من المواضيع الاستراتيجية، التي يتابعها المهتمون بالاقتصاد العالمي، خاصة في ظل المتغيرات الجارية تقنياً وسياسياً. 

ومن أهم هذه المتغيرات التقنية، اكتشاف طرق فعالة لانتاج النفط والغاز غير التقليدى، والتقدم الكبير بمجال المحركات الهجينة وكفاءتها وتقليل كمية الوقود المستهلك لكل كيلو متر.

واما التغيرات الجيوسياسة فهى كثيرة وتأتي فى مقدمتها أزمات الشرق الاوسط المتتالية، وظهرت حديثاً على السطح الازمة الاوكرانية الاخيرة. ولا شك ان هنالك عوامل كثيرة تؤثر فى أسعار النفط، ومن اهمها تغير موقع الولايات المتحدة من هذه السلعة.

فعلي سبيل المثال استوردت الولايات المتحدة فى عام 2005م، حوالى 12.5 مليون برميل باليوم من الاسواق العالمية وصدرت روسيا فى نفس الوقت حوالى7 ملايين برميل باليوم. ولهذا فان أسعار النفط المنخفضة فى تلك الفترة كانت لصالح الولايات المتحدة واوروبا واليابان، وليست لصالح روسيا ودول الاوبك.

أما الآن فان الولايات المتحدة تكاد تنتج معظم احتياجاتها النفطية داخلياً، وتستورد معظم الباقي من كندا، وقليلاً من دول الاوبك، وما زالت روسيا تصدر 7 ملايين برميل باليوم، ويكاد يعتمد اقتصادها على تصدير النفط والغاز. 

وهذا يعنى أن أسعار النفط المنخفضة الحالية ليست لصالح روسيا ولا الولايات المتحدة. إذ ان انخفاض سعر النفط إلى أقل من 80 دولارا قد يجبر شركات انتاج الزيت الصخرى فى الولايات المتحدة على التوقف عن الانتاج. وهذا يعنى ان الولايات المتحدة ستبدأ مجدداً بالاعتماد على الاستيراد من الخارج.

 ولقد ساهم انتاجها للزيت الصخري في ايجاد وظائف جديدة، ونمو فى الاقتصاد بدل شراء النفط من الخارج. ولذلك تكمن المصلحة الامريكية فى أسعار نفط قوية ومتماسكة. وقد لا تستطيع الحاق الضرر بروسيا بالسعى الى تخفيض أسعار النفط؛ لأنها هى من ستضرر قبل روسيا إذا انخفضت أسعار النفط.

أما فيما يخص الأسعار المستقبلية لأهم مصدر للطاقة في العالم، فلقد تضاربت الآراء والتحليلات بشكل عام بشأن ذلك. بالمجمل يوجد رأيان متضاربان، أحدهما يتوقع انخفاض أسعار النفط بسبب زيادة الامدادات، والآخر يتوقع تماسك الأسعار بسبب ارتفاع تكلفة الانتاج ونمو الطلب العالمى.

فعلى سبيل المثال يرى الرئيس التنفيذى لشركة شيفرون السيد جون واتسون ان أسعار النفط ستكون فى عام 2017م عند 110 دولارات للبرميل، وان شيفرون تخطط ميزانية 2017م بناء على هذا السعر، وان لا عودة لما دون 100 دولار للبرميل.

الا انه فى الجهة المقابلة يرى كبير خبراء ستى غروب ان أسعار النفط سوف تنخفض فى عام 2017- 2018م الى 75 دولارا للبرميل بسبب ارتفاع نمو انتاج النفط بالنسبة للنمو فى الاستهلاك. فلقد ارتفع معدل نمو الانتاج بحوالى 1.7 مليون برميل سنوياً بينما ارتفع معدل نمو الاستهلاك بأقل من 1.4 مليون برميل سنوياً.

 ولكن يجب ان نتذكر ان ستى غروب كانت قد توقعت لأسعار النفط ان تصل الى 65 دولارا فى السنتين الماضيتين. ولكن بالطبع كانت توقعاتها غير صائبة اذ تماسكت أسعار النفط حول 100 دولار لظروف وعوامل متعددة.

 ولذلك قد تكون توقعات شيفرون بان تستمر الأسعار حول 110 دولارات هى اقرب الى الصواب بحكم ما حدث فى السنوات الاربع الماضية حيث لم يحدث تغير كبير بأسعار النفط.

ولقد استقرت أسعار النفط العالمية منذ فترة فوق معدل 100 دولار للبرميل فلقد ارتفع سعر خام غرب تكساس بحوالى 15 دولارا للبرميل منذ سنة واما برنت فقد ارتفع بحوالى 10 دولارات للبرميل لنفس الفترة.

ويتداول النفط فى امريكا فى عقود مستقبلية تمتد بعضها الى ثمانية سنوات. فعلى سبيل المثال يتم التداول الحالى على تاريخ ديسمبر 2022م حيث تم بيع البرميل لذلك التاريخ من الخام الامريكى بحوالى 80 دولارا. 

وعادة ما تشير هذه التداولات والأسعار على توقع المتداولين على اتجاهات أسعار النفط المستقبلية. ولا شك ان هذه التوقعات تسند الى اساسيات صلبة حيث يستثمر فيها الكثير من المال ولذلك فهي تقدر على اساس نمو الانتاج بالاضافة الى تقدير النمو العالمى على الطلب على النفط وكمية الاحتياطيات المثبتة الحالية والمكتشفة. 

لكن الأكيد ان هذه البورصة المستقبلية لا يمكن ان تتوقع المشاكل والنزاعات العالمية والاقليمية، والتى فى اغلب الاحيان ينحصر تأثيرها بشكل ضيق ثم يعود كل شيء الى المسار الطبيعى. كما حدث لأسعار النفط ابان اعصار كاترينا او ارتفاع الأسعار عندما يبدأ اى نزاع بالقرب من الخليج العربي.

وبحسب بورصة نايمكس فان أسعار النفط الامريكى تتداول الان بسعر 105 دولارات للبرميل وتتداول على شهر مايو من العام القادم بسعر 93 دولارا واما شهر مايو لعام 2016م فيتداول سعر البرميل بحوالى 87 دولارا وفى شهر مايو 2018م فيتداول سعر الخام بحوالى 82.5 دولار للبرميل. كل هذه الانخفاضات فى الأسعار مع مرور السنين بالتأكيد تنبئ عما يدور بخلد المضاربين.

ولا بد انهم يتلمسون اسباب الانخفاض ويأخذوا المخاطر فى ذلك. واما برنت فوصل سعره الان حوالى 110 دولارات للبرميل ويتداول فى البوصة المستقبلية لعام 2017م بحوالى 95 دولارا للبرميل اى 15 دولارا اقل من سعره الحالي. والغريب ان النفط سلعة ناضبة وان البرميل المستهلك لن يرجع مرة اخرى وهذا يعطي انطباعاً ان أسعار النفط لا بد ان تسلك مساراً متصاعداً.

وأما ادارة معلومات الطاقة الامريكية فلها رأى اخر وهو ان الطلب العالمي على النفط ينمو بمعدل 1.3-1.5% فى الفترة 2014-2015م، بينما ينمو الإنتاج بمعدل 1.3% وهذا يعنى انه وبحسب الادارة ان معدل نمو الطلب أعلى من معدل نمو الانتاج وهذا ما سيزيد الأسعار تماسكاً مع الوقت.

طبعاً هذا السيناريو سيتحقق اذا خفضت اوبك انتاجها بحوالى 500 الف برميل باليوم. وتتفق توقعات شركة بريتش بتروليوم مع هذه الآراء. 

إذاً الخلاصة أنه يوجد احتمالان لاتجاهات أسعار النفط للفترة الممتدة من 2014م وحتى 2018م، وهما احتمال هبوط الأسعار الى 75-80 دولارا، حيث تتوقع معظم المؤسسات البنكية مثل صندوق النقد الدولى وبعض المؤسسات المالية مثل: ستى غروب هذا الاحتمال.

وأما ادارة الطاقة الامريكية وشركات النفط الكبرى مثل: شيفرون ،واكسون، وبريتش بتروليوم، فيتوقعون تماسك الأسعار عند 100-110دولارا للبرميل وحتى 2018م.

 

لكن يبقى السؤال المحير، ما دامت الشركات العالمية تتنبأ بثبات واستقرار سعر النفط عند 110 دولارات للبرميل، لماذا لا تشتري المزيد من العقود الآجلة، والتي يصل سعرها إلى 95 دولارا لبرنت و80 دولارا للخام الأمريكي، وبذلك تستطيع هذه الشركات أن تربح المليارات بعد عدة سنوات بدون تعب.

نقلا عن اليوم