مستجدات لا تعكر هدوء أسواق النفط

01/05/2014 0
عامر ذياب التميمي

ماذا يحدث في سوق النفط في الوقت الراهن؟ لم تُطرَح قضايا النفط في شكل مثير منذ أمد غير قصير، إذ بدا أن الهدوء يسود الأسواق وأن الأسعار شبه مستقرة أو تتراوح في حيز معقول.

وعلى رغم أزمة أوكرانيا واحتمالات المقاطعة الاقتصادية لروسيا من قبل الولايات المتحدة وبلدان الاتحاد الأوروبي، مع ما يحمل ذلك من تأثيرات محتملة في إمدادات النفط من روسيا، بقيت الأسواق غير مكترثة إلى حد بعيد.

ثمة مؤشرات إلى أن الطلب على النفط يكون متراجعاً في هذه الفترة بعد نهاية فصل الشتاء وانخفاض الطلب على وقود التدفئة.

وهناك أيضاً مؤشرات إلى احتمالات عودة تدفق النفط الليبي بكميات معتادة بعد بروز تباشير بنهاية الاعتصامات والاحتجاجات في عدد من الموانئ الليبية. وارتفعت إمدادات النفط العراقي من الموانئ الجنوبية وبلغت 2.55 مليون برميل يومياً.

وأُجرِيت مراجعة لتوقعات الطلب على النفط خلال العام الحالي حيث لا يُتوقَّع أن يرتفع الطلب بأكثر من 1.3 مليون برميل يومياً عن مستوى الطلب خلال العام الماضي.

لكن جوانب العرض والطلب لا تزال متوازنة ولن تؤثر كثيراً في مستوى الأسعار، فمثلاً ظل سعر برميل نفط «برنت» يدور حول 108 دولارات، وليس هناك من مؤشرات إلى إمكان تراجع مهم عن هذا المستوى.

ولا بد أن المسؤولين الحكوميين في البلدان المنتجة للنفط يتمتعون براحة البال، خصوصاً في بلدان «أوبك»، التي لا تزال توفر ما يقارب 30 مليون برميل يومياً، كما أن البلدان التي تسعى إلى تحسين مستويات الإنتاج ماضية في إنجاز خططها، ومنها العراق والكويت وليبيا.

تؤكد معلومات السوق أن إمدادات النفط انخفضت بمقدار 1.2 مليون برميل يومياً إلى 91.75 مليون برميل يومياً، فانخفضت إمدادات البلدان المنتجة من «أوبك» نحو مليون برميل يومياً. لكن البلدان المنتجة من خارج «أوبك» تمكنت من زيادة الإنتاج بمقدار 1.98 مليون برميل يومياً.

ويبدو أن انخفاض الإنتاج في بلدان «أوبك» أخيراً يعود للمشاكل الأمنية في ليبيا وتراجع إمدادات النفط الإيراني لأسباب تتعلق بالمقاطعة الاقتصادية. وهذه العوامل التي يفترض أن تؤثر إلى حد ما في مستويات الأسعار لم تحدث تغييراً كبيراً وظل متوسط سعر «أوبك» بحدود 105 دولارات للبرميل.

ويفترض العديد من الاقتصاديين المهتمين بقطاع الطاقة أن الاقتصاد العالمي سيوفر الدعم المناسب للعوامل الاقتصادية الخاصة بالنفط، فيتوقعون أن الاقتصاد العالمي سينمو بمعدل 3.5 في المئة خلال 2014 مقارنة بـ 2.9 في المئة العام الماضي، كما أن الاقتصاد الأميركي سينمو بمعدل أفضل من معدل العام الماضي، ويمكن أن يصل إلى 2.7 في المئة، فيما ستتمكن بلدان الاتحاد الأوروبي من تحقيق نمو بنحو 0.8 في المئة هذا العام، أما الصين فسينمو اقتصادها بمعدل 7.6 في المئة، والهند بنسبة 5.6 في المئة، واليابان بحدود 1.5 في المئة.

إذاً فالاقتصادات الرئيسة ستكون متعافية إلى درجة كبيرة وبذلك تتجاوز مرحلة الركود. لذلك يراهن العديد من المختصين على تماسك الأسعار ويشيرون إلى بيانات أسعار النفط الخام، خصوصاً «برنت» والأميركي الخفيف وسلة «أوبك»، خصوصاً بين تشرين الأول (أكتوبر) 2013 وآذار (مارس) 2014، حين ظلت في حيز يتراوح بين مئة دولار و110 دولارات للبرميل.

كيف سيجري التعامل مع هذه البيانات من قبل البلدان المنتجة، خصوصاً بلدان «أوبك»؟ لا شك في أن عدداً من هذه البلدان يواجه مشاكل اقتصادية وأمنية وسياسية، فالعراق مثلاً، يعتزم زيادة الإنتاج إلى مستويات قياسية، ولكنه لا يزال يواجه معضلات الأمن وعدم الاستقرار السياسي.

ولا تزال إمدادات النفط من كركوك متقطعة وتواجه التخريب للأنابيب الناقلة للنفط إلى ميناء جيهان التركي بين فترة وأخرى. كذلك يولد التباين في شأن الصلاحيات النفطية بين حكومتي بغداد وأربيل عوامل عدم اطمئنان في شأن الإمدادات العراقية.

وعلى رغم البيانات المشجعة عن ارتفاع مستويات التصدير من البصرة، يظل ذلك مرهوناً بقدرة السلطات على توفير الأمن لمنشآت النفط في الجنوب.

وفي ليبيا اتضح أن السلطات المركزية لا تملك القدرة على حماية الموانئ من الجماعات المسلحة التي أرادت أن تحصل إيرادات مبيعات النفط لصالحها وليس لصالح خزينة الدولة المركزية. ولولا تدخل الأسطول الأميركي في البحر المتوسط لكان في إمكان تلك الجماعات المسلحة أن تبيع النفط لناقلة نفط كورية شمالية. وظل التدخل الدولي هو الحاسم لحماية الإمدادات الليبية من القرصنة.

وربما تتحسن الآن الإمكانات لزيادة تدفق النفط الليبي إلى البلدان المستهلكة بعد قرار مجلس الأمن الدولي توفير الحماية المستحقة لتلك الإمدادات.

أما إيران، فتظل صادراتها خاضعة لمتغيرات قد تنجم عن المحادثات بين البلدان الرئيسة مع الحكومة الإيرانية في شأن الملف النووي وإمكان التوافق النهائي ومن ثم اتخاذ قرارات في شأن رفع المقاطعة الاقتصادية. ولا تزيد الصادرات النفطية الإيرانية، بموجب بيانات آذار (مارس) عن مليون برميل يومياً. وغني عن البيان أن هذا المستوى يقل كثيراً عن المستويات التاريخية، فإيران ثاني بلد مصدر للنفط في «أوبك» بعد السعودية، وبلغ إنتاجها في سنوات سابقة 3.9 مليون برميل يومياً.

بعد هذا الاستعراض لأوضاع سوق النفط، لا بد من التأكيد على أن الأوضاع لا تشير إلى مشاكل في شأن الإمدادات، كما أن الطلب ما زال مستقراً، ولا يبدو أن ثمة مشاكل كبيرة تواجه عمليات الإنتاج، على رغم الأوضاع الأمنية في العراق وليبيا.

وربما لن توفر هذه الأوضاع ضغوطاً مهمة على المسؤولين في بلدان «أوبك» لعقد اجتماع استثنائي واتخاذ قرارات في شأن مستوى الإنتاج.

خلاصة الأمر أن بلدان «أوبك» ستتمكن خلال هذا العام، وربما الأعوام المقبلة، من جني إيرادات مهمة من مبيعات النفط على رغم كل ما يثار في شأن تحسن عمليات إنتاج النفط والغاز الصخري في الولايات المتحدة، اللذين يشكلان منافسة لصادرات النفط من البلدان المنتجة، كما يطرح عدد من المراقبين.

نقلا عن جريدة الحياة