صرح وزير العمل البحريني قبل أيام أن مجموع العمالة الأجنبية التي طلبت تغيير كفيلها منذ بدء العمل بنظام إلغاء الكفيل بلغت 30 ألف عامل من مجموع 450 ألف عامل، أي ما نسبته 7%، وهي نسبة محدودة ولا تشكل ظاهرة تستوجب إعادة النظر في القرار.
ومعظم دول المجلس مثل المملكة العربية السعودية والبحرين والكويت وقطر تتجه في الوقت الحاضر نحو إلغاء نظام الكفيل للعمالة الأجنبية.
وأعدت وزارة العمل السعودية دراسة لائحة جديدة لشركات الاستقدام تتضمن منع احتجاز جواز سفر العامل وإلغاء موافقة الكفيل على استقدام العامل لأسرته أو طلب التصريح له بالحج أو الزواج أو زيارة أحد أقاربه في منطقة أخرى داخل السعودية، وإلغاء أي مسؤولية شخصية للكفيل بسبب تصرفات العامل الوافد خارج إطار العمل.
وأوصت الدراسة بإنشاء هيئة حكومية ذات شخصية اعتبارية تتبع لوزارة العمل هدفها الإشراف على أوضاع العمالة الوافدة وإلغاء أي دور للكفيل التقليدي.
ونشأت فكرة الكفيل بأن يكون لدى الوافد من أجل العمل كفيل يكفله فى حالة أن يكون على المكفول مديونيات تمنعه من السفر فيكون الكفيل متكفلاً بسداد ديونه. لكن في الممارسة العملية صار الكفيل يتحكم في المكفول تحكما تاما. كما استثمر هذا النظام من قبل بعض الشركات والأفراد لجلب أعداد من الأيدي العاملة التي يطلق سراحها في الأسواق لتمارس شتى المهن مقابل رسوم تدفعها شهريا أو سنويا للكفيل، وهو ما خلق ظاهرة سميت «فري فيزا» وقد قدر عددها في البحرين فقط بنحو 50 ألف عامل.
وعلى مستوى الخليج العربي، بدأت البحرين مشوار إلغاء كفالة العمالة الوافدة عام 2009. وعلى الرغم من أن القانون كان قد صدر عام 2006، الا ان رفض رجال الأعمال له أخّر إصداره بشكل تنفيذي. لكنه في وقت لاحق تم تعديل الفترة التي يسمح فيها للعامل الأجنبي بتغيير كفيله من 3 شهور إلى ستة شهور.
كما أعلنت الكويت اعتزامها إلغاء نظام الكفيل بعد أن سمحت في 2009 للعمال بتغيير كفالتهم بعد انتهاء فترة العقد الأولية، أو بعد العمل ثلاث سنوات متتالية لدى صاحب العمل.
وأعلنت قطر أنها سوف تؤخر دراسة تعديل نظام الكفالة حتى ترى ما تسفر عنه نتائج تجربتي مملكة البحرين ودولة الكويت اللتين أقدمتا على إلغاء نظام الكفالة.
كما أعلنت الإمارات مطلع العام الماضي تخفيف قيود نقل الكفالة بين العمال الأجانب، لتنتهج بذلك أسلوبا أقل شدة في نظام الكفيل المطبق في معظم الدول الخليجية.
هذا وان الذين يدعمون توجه الغاء نظام الكفالة يقولون انه سيؤدي إلى رفع انتاجية العمالة الأجنبية الماهرة بعد تحسين شروط عملها، الأمر الذي سيؤدي تلقائياً إلى زيادة الدخل القومي، وسيؤدي إلغاء الكفالة أيضاً إلى القضاء على تجارة التأشيرات، وهذا سيقود بدوره إلى تخفيض كبير في حجم العمالة الأجنبية غير الماهرة المستقدمة وإلى القضاء على المشكلات الأمنية الناجمة عن هروبها، ويحقق التوازن في التركيبة السكانية بين المواطنين والأجانب، ويشجع الشباب الخليجي في ذات الوقت على دخول سوق العمل. كما انه من المتوقع وسط بيئة أكثر تحررا أن ترتفع الأجور على المستوى الوطني مما يسهم في زيادة توظيف المواطنين.
وصحيح أن التجربة البحرينية أثبتت أن تغيير نظام الكفالة لم يحدث تداعيات خطيرة في سوق العمل، إلا أنه في الجانب الآخر أيضا، لم يؤد لا إلى زيادة العمالة الوطنية ولا إلى تحسين روابتها كما تم التوقع في بداية تطبيق الألغاء.
فقد أظهرت بيانات سوق العمل التي أعلن عنها في النشرة الاقتصادية لمصرف البحرين المركزي أن العمالة الاجنبية في القطاع الخاص ارتفعت من 511 ألف عامل في عام 2010 إلى 541 ألف عام في الربع الثالث من العام 2011 (آخر البيانات المتوفرة) بزيادة 30 ألف عامل منها 25 ألف ذهبت للعمالة الأجنبية.
كما تظهر بيانات النشرة الاقتصادية ان العمال الأجانب ما زالوا خياراً مفضلاً لأرباب العمل لأنهم أقل كلفة من البحرينيين، حيث اتسعت فجوة الأجور بين العاملين الأجانب والبحرينيين من 258 دينار لدى بدء التطبيق العملي لمشروع الإصلاحات في 2006 إلى 390 ديناراً عام 2010، ثم الى 409 دنانير في 2011، وهو ما يسهم في زيادة الاقبال على العمالة الأجنبية.
وحتى الآن، ووفقا لما أسفر عنه تطبيق التجربة في البحرين، فإن تجربة الإلغاء تنقصها بعض الضوابط، إذ من المعروف أن الكثير من الأيدي العاملة الأجنبية تأتي إلى بلدان الخليج غير مدربة، حيث يتم تدريبها هنا وتكتسب من خلال هذا التدريب الخبرة اللازمة والتأهيل اللذين تتطلبهما ظروف العمل، ومن هنا وإذا ما افترضنا أن إحدى الشركات الوطنية أو أحد رجال الأعمال قام باستقدام الكثير من الأيدي العاملة الأجنبية وصرف مبالغ طائلة على تدريبها وقرر الكثير منهم بعد انتهاء فترة التدريب ترك العمل والانتقال إلى شركات أخرى ربما للحصول على رواتب أعلى أو ظروف عمل أفضل.
من حيث المبدأ يعتبر ذلك حق للعامل ويستجيب للمعايير الدولية، إلا أن القانون في الوقت نفسه يجب أن يضمن حق المستثمر، إذ لا يمكن أن تأتي بمجموعة أخرى ويقوم المستثمر بتدريبها، ومن ثم تغير موقع عملها لتبدأ العملية من جديد.. وهكذا.
لذلك لا بد من وضع ضوابط وإتاحة خيارات للانتقال، إذ يمكن أن يلزم القانون العامل بالاستمرار في عمله لفترة معينة، ربما تصل إلى ثلاث سنوات قبل أن يقوم بالانتقال إلى وظيفة أخرى، أو أن يتم إلزام المستخدم الجديد بدفع تكاليف التدريب في حال عدم استكمال هذه المدة أو أن يقوم جهاز متخصص بتعويض المستثمر عن تكاليف الاستقدام والتدريب والتأهيل.
إذن هناك مخارج كثيرة توائم بين المتطلبات العالمية وحقوق الأيدي العاملة من جهة وبين مصالح المستثمرين والتنمية الاقتصادية من جهة أخرى، وهذه مسألة مهمة لمرحلة النمو القادمة في دول مجلس التعاون، حيث يتطلب الأمر تنظيما دقيقا وواضحا لسوق العمل الخليجي.
نقلا عن جريدة اليوم