تختلف الفترة الزمنية اللازمة لاختفاء الشركات العائلية، وهي العمود الفقري لنشاطات القطاع الخاص في معظم دول العالم، من بلد إلى آخر، وهي من القطاعات السريعة النمو، ويقدر عدد هذه الشركات المتوسطة وكبيرة الحجم في دول الشرق الأوسط بنحو ستة آلاف شركة.
وتختفي بعض الشركات العائلية عند وفاة مؤسسها والبعض الآخر خلال الجيل الثاني. وتشير دراسات وبحوث إلى أن خمسة في المئة فقط من الشركات العائلية تستمر حتى الجيل الخامس، إذ تبدأ بعد الجيلين الثاني والثالث صراعات خفية وعلنية بين الورثة.
ويكبر خطر النزاعات العائلية حين لا يتوافر بناء مؤسسي وتطبيق لمبادئ الحوكمة وتخطيط إستراتيجي لانتقال السلطة من القادة الحاليين إلى قادة مستقبليين، خصوصاً في غياب اتفاق على أهمية استمرار شركة ما لارتباطها باسم العائلة وحفاظها على المكانة الاجتماعية والمالية لجميع أفرادها.
وتكبر قيمة النزاعات والقضايا المالية بين الشركاء في الشركات العائلية في غياب ميثاق عائلي فاعل للشركات، على خلاف ما هو حاصل في العديد من الدول الغربية، ينال موافقة أفراد العائلة ويصبح المرجع لضمان استمرار شركتهم واستقرارها وتقدمها واتخاذ القرارات الإستراتيجية التي تحدد مستقبلها، ويضع الأسس المناسبة لاختيار المديرين وحقوق الشركاء وشروط نقل الملكية وطريقة تقويم الحصص، ما يساهم في اختيار مجلس إدارة كفوء وقادر على رسم الخطط الإستراتيجية واستقطاب الكفاءات المناسبة من داخل العائلة وخارجها.
ويعود انهيار بعض الشركات العائلية إلى انخفاض مستوى العدالة في الأمور المالية والتعامل مع الأبناء لجهة المكافآت والحوافز المالية وتوزيع المراكز القيادية، إضافة إلى عدم وجود خطط واضحة لتوظيف أفراد العائلة القادرين والمؤهلين وعدم إتاحة الفرصة لدخول دماء جديدة من أبناء العائلة أو من خارجها للمشاركة في أعمال الشركة.
وتنعكس سيطرة واحد أو البعض من أفراد العائلة على مجلس الإدارة والقرارات الإستراتيجية بما قد لا يكون من مصلحة الشركة ولا يتفق مع وجهات نظر التنفيذيين المحترفين من غير أفراد العائلة، سلباً على استمرار الشركة.
أما مبادرة بعض الشركات العائلية إلى توسيع قاعدة ملكيتها من خلال إدخال شركاء جدد وبحصص صغيرة من أجل ضخ دماء جديدة تملك خبرات جيدة، ولو مع احتفاظ أصحاب الشركة العائلية بحصص مهمة من رأس المال للسيطرة على القرارات الإستراتيجية، فتدعم استمرار هذه الشركات واستقرارها، خصوصاً إذا تميزت الإدارة بالشفافية والإفصاح والحوكمة، علماً بأن التخطيط الإستراتيجي الفاعل يؤدي إلى استمرار هذه الشركات لفترات زمنية طويلة نتيجة سهولة انتقال الإدارة من جيل إلى آخر.
وتواجه الشركات العائلية عادة مشاكل تتعلق بإدارتها ومشاكل في التمويل، إلى جانب المنافسة الداخلية والخارجية، ومشاكل انتقال الملكية إلى الأبناء بعد وفاة الأب المؤسس في ظل غياب الخطط المطلوبة لضمان استمرارها أو التخطيط للأحداث السلبية. وأدى عدم التخطيط إلى تفكك العديد من الشركات نتيجة اختلاف وجهات نظر الورثة بالنسبة إلى الإدارة.
واختفت العديد من الشركات العائلية بعد وفاة مؤسسيها لأن هؤلاء لم يعطوا فرصة لتدريب أفراد العائلة على إدارة الشركة ولم يسمحوا لهم بالمشاركة في اتخاذ القرارات المهمة، إضافة إلى أن معظم أمور الشركة، خصوصاً المالية منها، تظل من الأسرار ولا يسمح لأفراد العائلة بالاطلاع عليها أو مناقشتها.
وثمة نسبة مهمة من مؤسسي الشركات ممن لا يعتقدون بأهمية الاستعانة بمديرين محترفين للمساعدة في إدارة شؤون الشركات فيبقى أسلوب الإدارة تقليدياً وارتجالياً.
والشركات العائلية التي نجحت واستمر معظمها في دول المنطقة هي التي تحولت إلى مساهمة عامة. وفي دول الخليج، مثلاً، شبه إجماع على أن الحل الأمثل لاستمرار الشركات العائلية هو تحولها إلى مساهمة عامة في ظل الدعم الحكومي الكبير لهذا التحول للحفاظ على القوة والاستمرار لهذه الشركات التي تؤدي دوراً مهماً في الاقتصاد الوطني.
وبادرت العديد من حكومات دول الخليج إلى عقد دورات تثقيفية لملاك الشركات العائلية حول أهمية التحول إلى شركات مساهمة عامة وكيفية ذلك، فهذا التحول يعزز قوة هذه الشركات وقدرتها على الاستمرار والمنافسة والتوسع.
ويساهم الإدراج في أسواق المال في تعميق هذه الأسواق وزيادة الفرص المتوافرة فيها وحققت الشركات التي أجرت هذا التحول حلولاً لمعظم المشاكل التي كانت تواجهها، وفي مقدمها مشاكل الملكية وتلك المتعلقة بالتمويل، إضافة إلى حل المشاكل الإدارية لجهة توفير الكفاءات والخبرات الإدارية التي تتولى وضع هيكل إداري واضح وتسلسل منطقي للمسؤوليات والصلاحيات ورفع لمستوى الإفصاح والشفافية مع عدالة الحصول والاطلاع على المعلومات الجوهرية لكافة مساهمي الشركة.
كذلك حلت مشكلة المنافسة الداخلية والخارجية ومشكلة الملكية من خلال توزيع حصص رأس مال الشركة إلى أسهم أو حصص فاتضحت ملكية كل فرد من أفراد العائلة وسهُل خروج غير الراغبين في الاستمرار من خلال بيع حصصهم عن طريق سوق المال.
ويساهم تحول الشركات العائلية إلى مساهمة عامة مساهمة كبيرة في حل مشاكل التمويل فتستطيع هذه الشركات الحصول على التمويل والقروض من المصارف بشروط أسهل وأسعار فائدة اقل نظراً إلى انخفاض أخطارها مقارنة بالشركات العائلية.
وتتعزز إمكانية حصول الشركة المتحولة على التمويل من أسواق المال من خلال طرح خاص لمساهميها أو طرح عام مع الأخذ في الاعتبار سهولة تطبيق مبادئ حوكمة الشركات والتي أصبحت إلزامية للشركات المساهمة العامة في معظم دول المنطقة.
وثمة أهمية للاعتراف بالأصول المعنوية للشركة وفي مقدمها الشهرة التي يطورها المؤسسون خلال سنوات طويلة، علماً بأن متطلبات التحول إلى شركات مساهمة عامة تبدأ من تقويم أصول الشركة وموجوداتها من قبل جهات متخصصة ومعتمدة مع إجراء دراسات مختلفة وفي مقدمها الدراسات التمويلية والإدارية والإستراتيجية بعد موافقة المالكين على قرار تحويل الشكل القانوني للشركة من عائلية إلى مساهمة عامة.
نقلا عن جريدة الحياة