انتهت في الكويت المدة المخصصة لخطة التنمية 2010/2011 - 2013/2014 في نهاية آذار (مارس) الماضي. فماذا تحقق من أهداف التنمية التي اعتمدت في تلك الخطة؟
أكدت الخطة على أهداف كبيرة وأساسية مثل تحويل الكويت مركزاً مالياً وتجارياً يمكن أن يجذب المستثمرين، ويكون القطاع الخاص المحرك الأساس للاقتصاد الوطني.
كما أكدت الخطة توفير بيئة اقتصادية تنافسية تكرس الفاعلية والكفاءة في وقت تمارس المؤسسات الحكومية دوراً محورياً لضمان قيم العدالة والمساواة وتوفير فرص عمل للجميع بموجب شروط واضحة.
وشدد على توظيف الموارد البشرية على أسس ناجعة وتمكين النظام التعليمي من تنميتها بما تتطلبه حاجات سوق العمل. كذلك أشارت الخطة إلى أهمية تنويع القاعدة الإنتاجية بما يعزز مساهمات القطاعات غير النفطية في الناتج.
أما في القطاع النفطي، فركزت على أهمية تعزيز إنتاج المشتقات والمنتجات البتروكيماوية، والارتقاء بالتقنيات المستخدمة في عمليات المنبع والمصب.
أما بالنسبة للسياسات المالية فأشارت الى ضرورة الإصلاحات الهيكلية في جوانب الإيرادات والإنفاق وبما يمكن من زيادة الإيرادات غير النفطية ومخصصات الإنفاق الرأسمالي، وأهمية ترشيد الإنفاق الجاري.
ولفتت أيضاً الى عدد من الأهداف الأخرى التي سأتطرق لها في سياق هذا المقال، أوضحت أهمية إنجاز إصلاحات اقتصادية وتصويب السياسات المالية بما يحوّل الاقتصاد الكويتي من اقتصاد ريعي إلى اقتصاد مرتكز على قاعدة إنتاج كفوءة، أو على الأقل يؤسس لذلك.
عندما بدأ التحضير للخطة عام 2009، كان العالم يواجه تبعات الأزمة المالية العالمية. كان هناك هاجس من أثر تلك الأزمة على الاقتصاد النفطي في العالم ومن ثم على قدرة الكويت تحقيق إيرادات من مبيعات النفط تكفي لمواجهة متطلبات الإنفاق الحكومي.
لكن أسعار النفط التي عانت من التراجع في أواخر عام 2008 وأوائل عام 2009، سرعان ما عادت للانتعاش وظلت مستقرة أو متماسكة خلال السنوات الماضية، أي سنوات الخطة، بل أن الموازنة العامة للدولة والتي تحتسب الإيرادات النفطية على أسس متحفظة، بحيث يفترض أن سعر برميل النفط الكويتي نحو 70 دولاراً، حققت فائضاً سنوياً يتراوح بين 10 و12 بليون دينار كويتي.
وعلى رغم بلوغ مخصصات الموازنة السنوية نحو 21 بليون دينار، فإن الفوائض مازالت مهمة بعد أن تجاوزت إيرادات النفط 30 بليون دينار. لكن هل يمكن أن نزعم بأن هذه الإيرادات مكنت البلاد من زيادة الإنفاق الرأسمالي كما هدفت الخطة؟
أشارت بيانات جديدة الى أن الإنفاق الرأسمالي في موازنة السنة المالية الماضية ( 2013 - 2014 ) يكاد لا يتجاوز البليون دينار، في حين كانت الخطة تهدف إلى تحقيق إنفاق رأسمالي إجمالي يساوي 32 بليون دينار في سنوات الخطة الأربع، أي بمعدل 8 بلايين دينار سنوياً.
وبطبيعة الحال يشير هذا الافتراض إلى مساهمة القطاع الخاص في التنمية والاستثمار، ولكن الحقيقة هي أن دور القطاع الخاص في أعمال الخطة يبدو متواضعاً ولا يتوافق مع أهدافها.
إن حقائق الاقتصاد الكويتي تؤكد أن الأهداف لم تتحقق حيث ظل الاقتصاد النفطي مهيمناً ويمثل 52 في المئة من قيمة الناتج. كذلك يظل النفط الخام المكون الرئيس للناتج المحلي النفطي ويمثل 94 في المئة من هذا الناتج في حين لا يمثل تكرير النفط سوى 6 في المئة.
أما القطاعات غير النفطية فهي لا تزال بعيدة من التأثير في الحياة الاقتصادية، بل إن هذه القطاعات تعتمد بدرجة مهمة على معطيات الاقتصاد النفطي وأثره في الإنفاق الحكومي. ويعتبر قطاع الخدمات الأهم بعد النفط (40 في المئة من الناتج). كما أن جل هذه الخدمات مناط بالدولة مثل التعليم والرعاية الصحية والمرافق الحيوية الأخرى. أما قطاع الصناعات التحويلية غير النفطية فلا تزيد مساهمته على 6 في المئة.
لكن دور القطاع الخاص في النشاط الاقتصادي ظل متركزاً في التجارة والتوزيع السلعي والنقل والمواصلات والخدمات والعقار، وهو بعيد عن المساهمة في القطاعات الحيوية الأخرى مثل المرافق والبنية التحتية والنفط. والخطة حددت هدفاً لرفع مساهمته في الناتج من 37 في المئة في 2007-2008 إلى 44 في المئة في السنة الأخيرة من الخطة، ولا يبدو أن ذلك الهدف قد تحقق.
وكان من الأهداف أن تكون مساهمة القطاع الخاص في استثمارات خطة التنمية مقدرة بـ 26 في المئة في سنة الأساس، على أن ترتفع إلى 54 في المئة في السنة الأخيرة. ولا يبدو أن أياً منها قد تحقق.
إن من أهم ما ورد في الخطة ما ذكر من أهداف في شأن التنمية البشرية والمجتمعية، منها رفع نسبة الكويتيين من 31.4 في المئة من إجمالي السكان في عام 2008-2009 إلى 35 في المئة في 2013-2014. ويشير آخر بيانات السكان المنشورة أن عدد سكان الكويت بلغ 4.002.603 منهم 1.251.361 كويتي، أي 31.3 في المئة. فالنسبة لم تتغير وإن تراجعت في شكل طفيف.
أما نسبة العمالة الوطنية من إجمالي قوة العمل فهي لا تزال بحدود 17 في المئة، في حين كان الهدف رفعها إلى 21 في المئة.
يضاف إلى ذلك أن العمالة الوطنية في القطاع الخاص لا تزيد على 5 في المئة، وبذلك يعتمد الكويتيون على التوظيف في القطاع العام. وهناك قضايا ذات صلة بالتنمية البشرية تستحق البحث والتدقيق مثل التعليم ونوعيته وجودته والاهتمام بالتعليم المهني.
لا بد من التأكيد على أن ما تم استهدافه في خطة التنمية المتوسطة الأجل والتي انقضت في نهاية الشهر الماضي، يتطلب إدارة متمكنة للتنمية والإصرار على تحقيق تلك الأهداف، وأهم من ذلك توافر الإدارة السياسية والتوافق المجتمعي من أجل التحرر من الواقع الراهن.
نقلا عن جريدة الحياة