أسواق النفط في ظل متغيّـرات السياسة

13/04/2014 0
وليد خدوري

لا تزال أسواق النفط متخوفة من تصاعد التطورات في اوكرانيا، على رغم ان العقوبات الأولية التي أعلن عنها لم تؤثر البتة في صناع القرار الروس.

ولم تنعكس هذه القرارات التي فرضت قيوداً على السفر الى الغرب على بعض المسؤولين الروس وتجميد حسابات مصرفية تابعة لهم في الدول الغربية، على أسواق النفط بأي شكل من الأشكال.

لكن لا يزال هناك تخوف من تصاعد النزاع، بخاصة حول القسم الشرقي من اوكرانيا حيث يشكل السكان من أصل روسي غالبية، وحيث يحتشد عشرات الآلاف من الجنود الروس على الحدود.

في الوقت ذاته، بدأت تبرز مؤشرات في الأسواق الى تطورات جديدة ذات صلة بالوضع في أوكرانيا، وإن كانت خطوات أولية وذات انعكاسات محدودة حتى الآن. فقد طلبت شركة «غازبروم نفط غاز» الروسية من زبائنها اليابانيين ان يدفعوا لها ثمن النفط الذي يشترونه منها بالسوق الفوري بعملة صعبة غير الدولار يتفق عليها الطرفان.

لكن يتضح حتى الآن ان هذه الخطوة محدودة جداً، ومن غير المؤكد ان بقية الشركات الروسية النفطية ستتبنى السياسة ذاتها. لكن مسؤولاً نفطياً في احدى الشركات الروسية ذكر ان الأخيرة ستقوم بدورها، اذا تم تغيير كميات البيع للعقود (معنى ذلك الانصياع الى اي عقوبات جديدة)، بتغيير بعض البنود (ما يعني امكان طلب الدفع بعملة صعبة غير الدولار).

وتتخوف الأسواق من احتمال وقف تصدير الغاز الروسي الى اوكرانيا بسبب عدم تسديد كييف المبالغ المستحقة عليها لروسيا، وهي قيمة الغاز بالأسعارالجديدة الأعلى التي حددتها موسكو. كما تتخوف مما سيحصل في حال تصاعد النزاع بين موسكو وكييف وقامت اوكرانيا بتأميم خط انابيب الغاز الروسي الذي يمر عبرها لتصدير الغاز الى أوروبا.

وفي حال نشوب نزاع ديبلوماسي شديد الحدة بين واشنطن وموسكو، فلن تتأثر الأسواق الا اذا نجحت اي عقوبات غربية جديدة في وقف نحو 3 ملايين برميل يومياً من النفط الخام الروسي، وفق مصادر غربية نفطية. ما يعني اغلاق نحو ثلث الطاقة الإنتاجية النفطية لروسيا، اي توجيه ضربة مهمة للاقتصاد الروسي الذي يحتاج للريع النفطي.

لكن ستتأثر الأسواق الغربية أيضاً نظراً الى اعتمادها على هذه النفوط، وستجد صعوبة في التعويض عنها. وهناك بعض الدول الأوروبية التي لديها علاقات اقتصادية وثيقة مع روسيا، بخاصة ألمانيا، فهي تعارض تصعيد العقوبات نتيجة للأضرار التي ستلحق باقتصادها.

هل يمكن تعويض النفط الروسي؟ يمكن الدول المنتجة غير الأعضاء في منظمة «أوبك» زيادة انتاجها نحو نصف مليون برميل يومياً. اما بالنسبة لمنظمة «أوبك»، فالمسألة المطروحة للنقاش هي كيفية استيعاب الإنتاج النفطي المتزايد ضمن نظام الحصص المتبع والسقف الإنتاجي المتفق عليه وهو 30 مليون برميل يومياً، من كل من العراق وإيران، اضافة الى ليبيا، في حال عودة الهدوء الى البلاد، بخاصة في اقليم برقة.

يضاف الى ذلك، الطاقة الإنتاجية الإضافية من دول الخليج التي تستعمل عادة لإعادة الاستقرار والتوازن الى الأسواق في الحالات الاستثنائية. من ثم، يفترض ان تعوّض هذه الزيادات النقص في الإنتاج الروسي. لكن ما هو رد فعل موسكو لتعويض انتاجها، في حال مقاطعته، وما هو رد فعلها بالذات وهي في هذا الجو السياسي الذي تبدي فيه استعداداً حازماً لتحدي الولايات المتحدة؟ هل ستغض موسكو الطرف عن الأمر، وتقبل فقدان اسواقها، ولو لفترة محددة من دون الضغط على الدول المعنية؟

هذا على المدى القصير. اما على المدى المتوسط والبعيد، فهناك مسلسل زيادة الطاقة الإنتاجية النفطية في الولايات المتحدة.

ومعروف ان معظم الزيادة النفطية الأميركية ستبقى في الولايات المتحدة من دون تصدير، لأن القوانين الأميركية لا تزال تمنع تصدير النفط الخام. مع العلم انه مسموح للشركات تصدير المنتجات النفطية. وستبقى الأمور على هذه الحال حتى موافقة الكونغرس على تغييرها، وهذه عملية طويلة نظراً الى تضارب المصالح بين الصناعات الكبرى.

يشير آخر تقرير صدر الأسبوع الماضي عن ادارة معلومات الطاقة التابع لوزارة الطاقة الأميركية ان الاحتياط النفطي الأميركي المؤكد قد ارتفع للسنة الرابعة على التوالي عام 2012.

فقد ازداد نحو 15 في المئة عام 2012 ليسجل نحو 33 بليون برميل. كما أفاد التقرير بأن معدل الاحتياط المؤكد من النفط الخام والمكثفات لعام 2012 بلغ اعلى معدلاته منذ العام 1976، كما ان زيادة الاحتياط السنوية لعام 2012 بارتفاعها نحو 4.5 بليون برميل، هي الأعلى لسنة واحدة منذ 1970، حين أضيفت 10 بلايين برميل من نفوط ألاسكا الى مجمل الاحتياط الأميركي.

لكن على رغم هذه الزيادة المهمة، فإن أثرها لا يزال وسيبقى محدوداً في الأسواق في الوقت الحاضر الى ان تتغير القوانين الأميركية.

الا ان هذه الزيادة في الاحتياط وارتفاع معدلات الاستهلاك الأميركية بسبب التحسن الاقتصادي، يعني اعتماد السوق الأميركية، الأكثر استيراداً واستهلاكاً للنفط في العالم، على نفوطها الذاتية بدلاً من الاعتماد الكبير على الاستيراد، كما كان الوضع سابقاً.

وكما يرتفع الاحـــتياط النفطي الأميركي، يزداد في الوقت ذاته الاحتياط الكندي. وكلا الزيادتين سببهما ارتفاع الإنتاج من النفوط غير التقليدية (النفط الصخري ونفط الرمال الزيتية). وتنتظر كندا، التي تسمح لها قوانينها بتصدير النفط الخام، لكن التي تعاني من تأخير تشييد موانئ التصدير اللازمة، التصدير عبر أنبوب يمتد الى الولايات المتحدة.

والشركات الكندية تنتظر موافقة الحكومة الأميركية على التصدير عبر خط انابيب ينقل النفط الكندي مباشرة الى خليج المكسيك، ثم الى الأسواق العالمية. وتصدر كندا النفط حالياً الى الولايات المتحدة، لكن الخطط تقضي بالتصدير من خليج المكسيك.

نقلا عن جريدة الحياة