الأراضي البيضاء.. ثانية وثالثة

07/04/2014 8
د. إحسان بوحليقة

تناول مجلس الشورى موضوع الأراضي البيضاء ضمن النطاق العمراني والتي تحبس منفعتها من قبل ملاكها إما لعدم حاجتهم لبيعها أو بانتظار أن تصل عروض الأسعار لما يرضيهم.

أقول، اهتم المجلس مبكراً -نسبياً- بهذا الأمر، وطرح من قبل اللجنة المالية وتبنى المجلس التوصية الإضافية.

كان ذلك منذ ما يزيد على عقدّ من الزمن، ثم كرر المجلس مؤخراً النظر في الأمر، بل وأعاد تعريف ما المقصود بالأراضي البيضاء، وتناول بعض المهتمين بالشأن العام هذا الأمر في الصحف ومن خلال وسائل التواصل الاجتماعي.

وقضية الاستخدام المتدني لما هو متاح من أراضٍ مخططة أمر لا بد له من حلّ، والموضوع ليس سكناً فقط بل إن هناك شحا مفتعلا للأراضي المخططة للاستخدامات الحضرية بما يعيق التنمية ويحد من كفاءتها، والسبب أن بسبب عدم رغبة فلان في استخدام أرضه فإن على الحكومة أن تنفق المزيد من المال العام لمدّ شبكات الخدمات على تعددها وتنوعها، وهذه تكلفة ما بعدها تكلفة إلا المعاناة في العديد من الأحياء نتيجة لقصور التنمية عن استيعاب التوسع الخيالي نتيجة لتعسف بعض ملاك الأراضي في جعل المجتمع يستفيد من الأرض.

ولعل الجهات الرسمية المختصة بحاجة لتصحيح مفهوم ملكية الأفراد للأراضي المخططة، بان حق الملكية لا يعني حرمان المجتمع من الخدمات التي خصصت الأرض من أجلها، بمعنى على المالك أن يقيم بيوتاً أو عمارة أو مجمعاً وإلا فعليه أن يبيع هذه الميزة لمن يستطيع الاستثمار، بما يمكن المجتمع من الاستفادة.

وبالتأكيد، فإن عدم إدراك شريحة واسعة من الملاك لهذا الأمر حرم المجتمع من أن يكون لديه ما يكفي من المساكن، على سبيل المثال لا الحصر.

والآن، وجد المجتمع نفسه وجهاً لوجه مع أزمة سكن، لم تنتج اليوم أو بالأمس القريب بل هي محصلة لعدم بناء ما يكفي من مساكن على الأراضي المخططة والمخصصة لإقامة مساكن عليها. تصور مثلاً، أن كل من يملك أرضاً مخططة ضمن النطاق العمراني عليه أن يستثمرها خلال فترة لا تزيد على خمس سنوات مثلاً، وإلا فقد الترخيص وعرضت في المزاد، لكان لدينا اليوم فائض من المساكن.

وبما أننا لا نبكي على اللبن المسكوب، فلما لا نمنع سكب المزيد من اللبن، وتقوم الجهات الرسمية المسئولة بإعداد نظام (قانون) لاستخدام الأراضي واستثمارها، وهذا يعني أن جهد بناء المزيد من المساكن لن يقع فقط على كاهل وزارة الإسكان، بل على كل من لديه قطعة أرض مفروزة للاستخدام كسكن، فإن استطاع المالك أن يبنيها خلال المدة المحددة في الترخيص فبها ونعمة، وإلا عليه أن يجد من يستثمرها بطريقة أو بأخرى. وبذلك نضغط على ملاك الأراضي ممن قرروا تركها للهواء والشمس.

أكاد أجزم أن هذا الأسلوب أجدى من فرض غرامات ورسوم وضرائب، مهما كانت مسمياتها، إذ أن العلة من كل ذلك دفع الشخص ليس لعرض الأرض في السوق بيعاً وشراءً، بل العلة الأساس ان يستفاد من الأرض بأن تستخدم مسكناً أو سوقاً أو مستشفى أو مدرسة إلى آخر الاستخدامات الحضرية، فبذلك نجمع بين التنمية والنمو.

أما أن تنفق الدولة -رعاها الله- مليارات بسبب ان  آحاداً من ملاك الأراضي ليس لديهم الرغبة أو الحافز لاستخدام الأرض، التي يملكون فهذا أمر لا يجدر بنا الاستمرار في إقراره، فقد اتضح جلياً بما لا يدع مجالاً للشك أن المجتمع السعودي في أمس الحاجة للاستفادة من تلك الأراضي، فمصلحة المجتمع تتقدم على رغبات الآحاد.

لا سيما أن التعسف متعدي في آثاره الضارة حتى على اقتصادنا، فالمساهم الأكبر حالياً في التضخم هو الايجار المتصاعد للسكن. 

نقلا عن جريدة اليوم