شركة الجبس الأهلية .. 6 سنوات من الضياع

06/04/2014 21
صالح على الصبي

تفاجئك بعض الشركات بتصرفات أقل ما يمكن أن توصف به, هو الإهمال.

ويصدمك أن يترافق مع هذا الإهمال غياب للرقابة أو للمنظومة التي تحمي حقوق المستثمر أو المتداول بحد سواء.

وفي ظل سعي هيئة سوق المال لرفع الوعي الإستثماري و التأكيد على كون سوق الأسهم وعاء إستثماري ناضج و فعال لغرض تنمية رأس المال حتى للمستثمر الصغير, تقف في مصدوماً من الواقع المختلف تماماً.

في هذا المقال نسلط الضوء على شركة الجبس الأهلية, واحدة من أقدم الشركات المساهمة في السوق السعودي حيث يناهز تاريخ إنشائها 60 عاماً من العمل في نفس النشاط.

يتمثل النشاط الأساسي للشركة ﻓﻲ صناعة ﻭانتاج الجبس ﻭمشتقاتة المستخرجة من منطقة الامتياز ﻭﺍلاتجاﺭ ﻓﻲ الجبس ﻭﻓﻴﻤﺎ يتفرع منه من مواﺩ وصناعاﺕ ﻭﺇنتاج مختلف المواد التي يمكن ﺍستخراجها من الجبس.

تأثرت شركة الجبس كثيرا خلال السنوات الماضية بعد أن صدرت تصاريح لافتتاح عدد من المصانع، إضافة إلى انخفاض تكاليف التصدير بالنسبة للشركات الأجنبية ليضخ في سوق الجبس بشتى أنواعه طاقات جديدة، منهية بذلك احتكارا دام فترة طويلة من الزمن للشركة كانت خلالها هي المنتج الرئيسي للجبس في المملكة.

هذه التغييرات أدت إلى إعادة تشكيل لنتائج الشركة و توجهاتها، سواء أكان ذلك ناتجاً عن تراجع الحصة السوقية للشركة أو انخفاض أسعار البيع مع توفر البدائل , مع غياب لأي ردة فعل من إدارة الشركة جراء هذه التغييرات و المخاطر سوى الإعتراف بها!

بشكل عام الشركة في وضع مالي جيد حالياً و تتمتع باحتياطات و استثمارات جيدة, لكن ما يثير الغرابة و التساؤول هو التراجع المخيف في أداء الشركة في آخر 6 سنوات و من خلال نفس الإدارة مع بعض التغييرات الطفيفة. و الأغرب هو استخدام إدارة الشركة لنفس السبب في كل النتائج الربعية و كل السنوات المالية في صورة من العجز قل أن تجدها في أي شركة أخرى بل قد نقول في أي سوق آخر.

ومن خلال نظرة سريعة تدرك أن الشركة حبيسة للماضي بشكل كبير, فالتقارير السنوية بنفس الصيغة مع تغير الأرقام و الإرتباطات و الإستثمارات تكاد تكون على نفس الوتيرة كل سنة بل إن الأدهى و الأمر أن موقع الشركة والذي يمكن من خلاله الإطلاع على كل التقارير السنوية الماضية حتى عام 2012, يتوقف فجأة عن ذكر أي شيء يتعلق بتطور رأس المال و الطاقات الإنتاجية بنهاية عامي 2006 و 2007 تاركاً 6 سنوات من الفراغ و التساؤولات لكل المستثمرين في هذه الشركة (راجع Figure 1).



Figure 1 : تطور رأس المال و الطاقة الإنتاجية بحسب موقع شركة الجبس الأهلية

وقد يكون من الحسنات التي تذكر لإدارة الشركة خياراتها الإستثمارية, حيث تستثمر ما يزيد عن 100 مليون ريال أي يزيد بقليل عن 20% من مجموع أصولها الحالية. و غالبية استثماراتها في وضع مالي جيد و مدرة للدخل مما يخفف بعض من الضغوط على قدراتها التشغيلية لكن بالتأكيد هذا لا يعد كافياً لتغطية العجز الواضح في الأداء التشغيلي للشركة و الذي انعكس تبعاً على توزيعات الشركة النقدية.

و بغض النظر عن تجاهل مجلس الإدارة لإيضاح الأسباب الحقيقية لتردي أداء الشركة, أو اتخاذ الإجرائات اللازمة للحفاظ على أموال المساهمين و رأس مال الشركة من التآكل فإن النتائج المالية سواء كانت ربعية أو سنوية أظهرت تراجعاً مستمراً في الغالب خلال كل السنوات الماضية مع استمرار نفس السبب بحسب الشركة حيث يعزى هذا الإنخفاض إلى شدة المنافسة. و يلخص الجدول التالي أرباح و توزيعات الشركة :

ويجدر الإشارة أنه بغض النظر عن انخفاض ربح السهم خلال العام الماضي, فإن مجلس الإدارة أوصى بتوزيع 0.8 ريال للعام المالي 2013 بزيادة 0.3 ريال عن العام المالي الفائت 2012. و ذلك عن طريق استغلال رصيد الأرباح المبقاة من العام الفائت بقيمة 3.3 مليون ريال و القيام بإجراء محاسبي لتعديل القيمة الدفترية لإستهلاك بعض الإصول (الآلات و المعدات) بأثر رجعي منتجاً وفراً تقدر بقيمة 7.4 مليون ريال وهو ما يصعب تحقيقه في سنوات قادمة.

كما تجدر الإشارة إلى أن لدى الشركة استثمار عقاري مقيم بتكلفته في عام 2008 (أقدم تقرير سنوي أمكنني الحصول عليه) و قيمته 10 مليون ريال وهو ما سيساعد مجلس الإدارة في التخلص من أي ضغط نتيجة لإنخفاض الأداء تشغيلي عن طريق اعادة تقييم الأصول مرة أخرى.

و المثير للجدل أنه و مع عجز مجلس إدارة الشركة عن إيجاد حلول جذرية لمشكلة الشركة خلال السنوات الست الماضية, فإنه استفاد من حقه النظامي كاملاً في الحصول على مكافآته و كذلك الحال بالنسبة للتنفيذين في إدارة الشركة كما نصت عليه الأنظمة و القوانين رغم استمرار تردي النتائج عاماً بعد عام.

ومن خلال التقرير السنوي لمجلس الإدارة يظهر بوضوح استمرار انخفاض صافي المبيعات سنويا حتى أصبح صافي مبيعات 2013 أقل بحوالي 70% مقارنة 2008 و كنتيجة تبعية نجد انخفاضاً مقارباً في صافي الربح بعد الزكاة خلال نفس الفترة.

و يترافق هذا الإنخفاض مع ثبات نسبي حقوق الملكية نظراً لتراجع الأصول و الخصوم على حد سواء.

كما نجد أن الشركة تكبدت تكاليف قروض طويلة الأجل بقيمة 48.7 مليون ريال خلال عام 2007 لتطوير مصنع الدمام, تبقى منها 15.7 مليون ريال سيتم سداد آخر دفعة منها خلال السنة المالية 2015, بينما عجزت الشركة منذ اتمام هذه التوسعة عن الإستفادة منها , نتيجة للمنافسة بحسب التقارير السنوية, حيث انخفضت كمية المواد المنتجة مقارنة بالسعات التصميمية للمصانع حتى وصلت إلى انتاج ما يقل عن 2% فقط من الطاقة الإنتاجية للشركة من الحوائط الجبسية في 2013.  وليس من الواضح إذا كانت زيادة السعة نتيجة لهذا الإستثمار أو أن الإستثمار استخدم في تطوير المصنع لإنتاج مواد جديدة كما ذكر في التقارير السنوية الماضية.

وفي كلا الحالتين فقد استمرت وعود مجلس الإدارة بقرب التشغيل التجاري خلال عامي 2011 و 2012, و لم يذكرأي اعلان أو يتم التطرق لهذا التطوير خلال تقرير 2013.

فهل من المنطقي اتخاذ قرار بالتوسعة حين أن بيانات الشركة تظهر أنها لم تستفد من قدراته الإنتاجية الحالية, أم هو هدر مالي بحت و استثمار غير مدروس كما قد يظهر في ظل غياب الوضوح و المعلومة عن المستثمر.

وقد صرحت الشركة و بشكل غير مباشر و مبهم عن إغلاقها و إيقافها لبعض مصانعها لعدم الجدوى (مصنع أملج أوقف عام 2009 طاقته الإنتاجية 200 طن يومياً), دون أي تفاصيل تفيد المستثمر في معرفة مصير أمواله و مدخراته.

ويلخص الجدول أدناه وضع الشركة, بحسب التقرير السنوي لعام 2013:

ولعل مما يلفت الإنتباه و يسلط الضوء على شركة الجبس مؤخراً, انسحاب شركة منافع القابضة و التي كانت تمتلك 34.5% من أسهم الشركة في بداية العام المالي 2014 بشكل شبه يومي عن طريق البيع المباشر في السوق و هي سابقة في سوق الأسهم السعودي أستمرت حتى كتابة هذا المقال ما يزيد عن شهرين و نصف من انخفاض لملكية المتواصل لتنخفض إلى 27.3% بتاريخ 3 أبريل 2014.

ويبقى دور مجلس الإدارة غامضاً في حل إشكالية الشركة رغم كل هذه السنوات, خصوصاً مع ظهور بعض الإختلافات إلى السطح بين أكبر المستثمرين و إدارة الشركة و التي تشمل على تضارب في المصالح فيما يبدو وينتشر من خطابات أرسلت نسخ منها لبعض الصحف و للهيئة على حد سوء, و للأسف فإنه إن صحت هذه الخطابات فهذه أيضا لم تحفز الهيئة على التساؤول فيما يخص حقوق المستثمرين.

وأقل حقوق المستثمرين هو أن يوضح مجلس الإدارة كل التفاصيل المتعلقة بإنخفاض الأداء التشغيلي للشركة و الخطوات النظامية و القانونية التي اتخذتها الإدارة على مر السنين الماضية, و ما يخبئه المستقبل من انحسار في المطالبات بسبب سداد القروض و ما قد يستمر من انخفاض في المبيعات و الربحية و كيف ستتعامل معه الإدارة من ناحية توسعة النشاط, أو التحول للإستثمار أو غيرها من الحلول حتى أشدها تطرفاً كانسحاب الإدارة التنفيذية في حالة عجزها عن إيجاد حلول أو اتخاذ قرار بتصفية الشركة في حالة عدم وجود حلول مجدية لمنع تآكل رأس المال, على فرضية استمرار انخفاض المبيعات و الربحية.

كما إن إبراء الذمة لمجلس الإدارة خلال السنوات الماضية, وربما خلال هذه السنة في يوم الجمعية يدل دلالة واضحة على عدم فعالية الطريقة الحالية لإنعقاد الجمعيات لعجزها عن الإجابة على أقل الأسئلة بساطة, و يطرح الكثير من علامات التعجب عن دور و تأثير كبار المستثمرين في الشركة.

وتبقى التساؤولات المطروحة عن دور هيئة سوق المال في الإستفسار عن ما يحدث في الشركة بحكم موقعها التنظيمي كما حدث في حالات أخرى شكلت فيها القفزات السعرية لبعض الشركات هاجساً للهيئة دفعها للإستفسار الرسمي من الشركات عن أسبابه.

وكلنا أمل أن يشكل انخفاض الأداء للشركات عامةً هاجساً أكبر للهيئة للقيام بدورها التنظيمي في سوق يفترض أن يكون ذا طابع استثماري و صحي.

كما أن خروج المستثمرين الكبار بهذا الشكل يفترض أن يطرح بعض التساؤولات لتأثيره على أداء الشركة, و احتمال تأثره بمعلومات داخلية من حق جميع المستثمرين الحصول عليها.

وختاماً, لا يمكن للمستثمر أن يثق في سوق تركز قيادته على كبح الحركات السعرية عن طريق مجموعة القرارات التي صدرت من الهيئة مؤخراً و التطبيق الورقي لمنظومة الحوكمة دون أدنى تدقيق فيما تدعية الشركات و مجالس إداراتها من نتائج و تقارير.