اختتمت القمة العربية في الكويت أعمالها أمس وسط خلافات عربية متنوعة. هذه الخلافات العربية ليست جديدة ولكنها صعبة في وقتنا الراهن.
فالأوضاع السياسية في العالم العربي شديدة التأزم، واستجدت الآن خلافات جديدة داخل مجلس التعاون الخليجي.
لكن المهم هنا هو كيف تتناول هذه القمم العربية المسائل الاقتصادية وآليات معالجة المسائل وكيفية تطوير الأوضاع بما يؤدي إلى استقرار سياسي؟ منذ أول قمة عربية في أواسط أربعينات القرن الماضي، لم يتمكن العرب من مواجهة المشاكل الاقتصادية بما يمكن من توظيف الموارد والإمكانات لخدمة التنمية المستدامة.
ينعم العالم العربي بموارد مهمة مثل البترول والمياه والزراعة والموقع الملائم بين القارات وأهم من ذلك الثروة البشرية.
لكن العرب عجزوا عن توظيف هذه الإمكانات والموارد على أسس منهجية بما يؤدي إلى خلق فرص اقتصادية جديدة ويعزز القدرات على تنمية الثروات الوطنية.
وعلى رغم القرارات المعتمدة من القمم العربية التقليدية والقمم الاقتصادية المتخصصة فإن ما تحقق من إنجاز مادي يكاد لا يذكر.
كلنا نذكر اتفاق الوحدة الاقتصادية العربية الموقع في 1964 بهدف تنمية العلاقات الاقتصادية بين البلدان العربية وتعزيز التجارة البينية والتمكن من إنجاز التكامل الاقتصادي العربي.
كان يمكن زيادة حجم التجارة البينية بين البلدان العربية في شكل متدرج بما يخدم تمتين العلاقات الاقتصادية وتطوير المصالح المشتركة.
لكن من يدرس تجارة البلدان العربية، ويقارن العلاقات التجارية بين البلدان العربية أو التجارة البينية، وتجارة العالم العربي مع بلدان العالم الأخرى سيكتشف هامشية العلاقات التجارية البينية قياساً إلى الحجم الكلي للتجارة العربية.
وخلال العقود الماضية حاولت البلدان العربية خلق تكتلات اقتصادية إقليمية، مثل الاتحاد المغاربي ومجلس التعاون العربي، وبطبيعة الحال مجلس التعاون الخليجي.
هذه التكتلات لم تنجز ما كان متوقعاً من قيامها، اللهم ما أنجز من تطوير لعلاقات اقتصادية في نطاق مجلس التعاون الخليجي.
ولا شك في أن كثيراً من الخلافات السياسية عطلت إمكانات تطوير العلاقات الاقتصادية. فخلال 2012 بلغت التجارة للدول العربية ما يزيد عن تريليوني دولار.
وغني عن البيان أن أهم عناصر التجارة هي النفط وتصديره إلى البلدان المستهلكة الرئيسة في آسيا وأوروبا وأميركا الشمالية، لكن نصيب التجارة البينية من هذا الحجم المهم من التجارة مع العالم لا يزيد عن 11 في المئة.
صحيح أن نسبة التجارة البينية تحسنت من 9.3 في المئة في 1997، إلا أن هذا التحسن ربما يعود فقط إلى تحسن وسائط النقل وزيادة الإمكانات الاستهلاكية وعوامل أخرى.
وهناك مسألة الاستثمار، إذ تمكنت البلدان العربية المصدرة للنفط، خصوصاً بلدان الخليج وليبيا والعراق منذ أواسط سبعينات القرن الماضي من تحقيق فوائض مالية مهمة كان يمكن توظيفها في شكل مفيد في القطاعات الاقتصادية في العديد من البلدان العربية.
ومن أهم العوامل المعززة للتنمية في أي بلد من العالم هي تلك المتعلقة بخلق المناخ المناسب لجذب الاستثمارات من مختلف البلدان للتمكن من إنجاز المشاريع التنموية.
يشير التقرير الأخير للمؤسسة العربية لضمان الاستثمار إلى أن مجموعة البلدان العربية حلت في المرتبة الخامسة بين سبع مجموعات جغرافية على مستوى العالم من حيث الجاذبية للاستثمار.
وتؤكد البيانات المنشورة أن الاستثمارات الأجنبية المباشرة على المستوى العالمي بلغت 1.3 تريليون دولار في 2012، بعدما كانت 1.6 تريليون دولار عام 2011 بانخفاض بنسبة 18 في المئة.
وتمكنت الدول النامية من حصد 52 في المئة من تلك التوظيفات وبمبلغ 680 بليون دولار.
لكن الاستثمارات المباشرة في البلدان العربية لم تزد عن 47 بليون دولار. ما يهمنا هو التعرف على حجم الاستثمارات البينية بين الدول العربية.
تبين بيانات المؤسسة العربية لضمان الاستثمار أن الاستثمارات البينية العربية بلغت 3.4 بليون دولار في 2012. وتؤكد البيانات انخفاض الاستثمارات العربية البينية المتدفقة إلى كل من مصر وتونس والأردن والجزائر واليمن من 6.8 بليون دولار عام 2011 إلى 1.8 بليون دولار عام 2012.
مؤكد أن الجاذبية الاستثمارية تتطلب معالجات تشريعية وتنظيمية لتسهيل الشروط القانونية والتسهيلات الإدارية بالإضافة إلى تحسين البنية التحتية.
لذلك فالمرتجى من الاجتماعات العربية، خصوصاً على مستوى القمة، التعامل مع المصاعب والعراقيل التي تحول دون تحسين بيئة الاستثمار، بالإضافة إلى العمل لتعزيز إمكانات التجارة البينية.
يضاف أن الاجتماعات العربية، إذا أريد لها أن تكون مثمرة، لا بد من أن تركز على معالجة المواضيع الاقتصادية والاتفاق على آليات لتنفيذ القرارات، وكذلك تطويع كل الأمور بما ييسر التنفيذ.
والأهم أن الإنجازات الاقتصادية، إذا تحققت، ستؤدي إلى التمكن من تجاوز العديد من المشاكل السياسية حيث ستطغى المصالح الاقتصادية على تلك الخلافات.
نقلا عن جريدة الحياة