هل تعيد أمريكا ذروة إنتاجها من النفط

25/03/2014 2
د. سليمان الخطاف

حققت الولايات المتحدة ذروة انتاجها من النفط في عام 1970م، حيث وصل معدل الانتاج حوالي 9.6 مليون برميل يومياً.

ولكن لم يستمر معدل الانتاج هذا طويلاً اذ بدأت الآبار بالنضوب وتسارع انخفاض الانتاج الامريكي حتى وصل الى 5 ملايين برميل في عام 2008م.

ولكن مع تطور التقنيات الامريكية في التنقيب واختراع اساليب جديدة للحفر الأفقي، ارتفع انتاج الولايات المتحدة من السوائل البترولية غير التقليدية حتى تخطى الانتاج حجم الاستيراد لهذه السوائل لأول مرة منذ ما يقارب العقدين.

ولقد ارتفع الانتاج الامريكي من 7.4 مليون برميل في عام 2013م الى 8.4 مليون برميل يومياً حالياً، ويتوقع أن يصل الانتاج في العام القادم 9.2 مليون برميل باليوم. وتتوقع ادارة معلومات الطاقة الامريكية أن يسجل الانتاج الامريكي رقماً جديداً في عام 2016م، حيث قد يصل انتاج السوائل البترولية الى حوالي 9.5 مليون برميل باليوم.

وهذا بسبب الارتفاع الكبير في انتاج الزيت الصخري اذ ارتفع انتاج ولاية داكوتا الشمالية من 200 ألف برميل يومي في عام 2007م إلى 800 ألف برميل يومي حالياً.

ولقد عاد انتاج تكساس من السوائل البترولية كما كان قبل ثلاثين عاما، اذ انخفض من 2.5 مليون برميل باليوم في عام 1983م الى حوالي مليون برميل باليوم في عام 2009م، وهو الآن عند 2.5 مليون بسبب نهضة إنتاج الزيت الصخري.

وتتوقع الادارة أن ينخفض الاستيراد الأمريكي للنفط في العام المقبل إلى حوالي 4.5 مليون برميل بعد أن كانت أمريكا تستورد أكثر من 12 مليون برميل باليوم في عام 2008م.

ولقد أدت طفرة انتاج الزيت الصخري الى ايجاد اجواء ايجابية لصناعة النفط والتكرير في أمريكا. ولان أسعار النفط في أمريكا أقل من أسعارها في اوروبا وآسيا، ومع استمرار منع تصدير الخام الامريكي فان صناعة تكرير النفط الامريكية تتمتع بفارق كبير عن سعر برنت.

ولقد سجل الفرق الحالي بين برنت وخام غرب تكساس ما يقارب 10 دولارات للبرميل.

ولذلك فان المصافي الامريكية تستطيع ان تشتري النفط الامريكي الذي لا يسمح بتصديره وتحويله الى ديزل ووقود طائرات ومن ثم تصديره الى أوروبا وآسيا باسعار عالمية وعالية. وبذلك تكسب صناعة التكرير الامريكية من الفارق بين أسعار النفط الامريكية والعالمية.

ولقد أدى هذا إلى تحول الولايات المتحدة مؤخراً من الاستيراد إلى تصدير المشتقات بشكل اجمالي (اى المحصلة).

ولقد بلغت محصلة تجارة أمريكا بالمشتقات البترولية في عام 2007م، استيراد مليوني برميل يومياً.

وأما حالياً فقد أصبحت المحصلة بالايجاب أى أن أمريكا صدرت 1.2 مليون برميل من المشتقات البترولية في عام 2013م. ويتوقع أن تصبح امريكا مصدراً عالمياً للمشتقات البترولية في المستقبل القريب. 

لا شك ان ثورة الهيدروكربونات الصخرية قد انعشت صناعة النفط والغاز وحتى البتروكيماويات في الولايات المتحدة.

وسوف تؤثر ايجاباً بالاقتصاد الامريكي بخفض استيراد النفط والغاز وتزايد عدد فرص العمل للأمريكيين. هذا غير جلب الاستثمارات العالمية للاراضي الأمريكية للمشاركة في صناعة الزيت والغاز الصخري.

وها هي امريكا تستعد لتصدير اول شحنة من الغاز الطبيعي المسال من الاراضي الامريكية (غير الاسكا) في العام القادم.

وأصبحت أمريكا أكبر منتج للغاز الطبيعي نتيجة التقنيات المتطورة والتي تقوم على تفتيت الصخور واستخراج ما في باطنها من زيت وغاز.

والأكيد أن هذه النهضة سوف تؤثر على انتاج الوقود الحيوي البديل من الحبوب الغذائية أو ما يسمى الديزل الحيوي وحتى الايثانول المنتج من حبوب الذرة ليتم خلطه مع وقود السيارات.

لأنه من غير المنطقي أن يتم تحويل هذه الكميات الهائلة من الحبوب الغذائية إلى وقود، ان كان بالامكان انتاج الديزل والجازولين من الصخور الزيتية.

ويمكن القول إن طفرة الزيت والغاز الصخري في أمريكا قد تتسبب في ابطاء العمل على تطوير البدائل الاخرى مثل وقود الطحالب وتقلل الاهتمام بالطاقة الشمسية في الوقت الحالي.

أى بمعنى آخر سيتم التركيز على انتاج الطاقة من الصخور بسبب جدواها الاقتصادية مقارنة مع البدائل الاخرى.

تنتج أمريكا حالياً حوالي 30% من اجمالي انتاجها النفطي من الصخور والحقول غير التقليدية. وسوف تزيد أمريكا من انتاجها للزيت الصخري بشكل تدريجي. وذلك لان الاراضي الامريكية شاسعة ولان الزيت الصخري حالياً أغلى بمراحل من الغاز الصخري مما سيحفز المنتجين على التركيز على انتاج السوائل البترولية بدلاً من الغاز.

فبينما يتم بيع المليون وحدة حرارية من الزيت الصخري داخل امريكا بحوالي 15-17 دولارا، يباع المليون وحدة حرارية من الغاز الطبيعي في مركز هنري هوب بحوالي 4 دولارات. ولذلك سوف تحول الكثير من شركات الحفر أنشطتها من البحث عن الغاز الصخري الرخيص إلى البحث وانتاج الزيت الصخري الثمين.

ولكن تكمن المشكلة في الانتاج من الحقول الصخرية انها تنفد بسرعة ويتطلب الأمر حفر آبار جديدة في فترات زمنية قصيرة. فمثلاً يتطلب الاستمرار في نفس الانتاج الحالي لآبار الزيت الصخري (2.5-3 ملايين برميل يومياً) في امريكا حفر حوالي 6000 بئر سنوياً.

بينما يتم انتاج هذه الكمية تقليدياً بأقل من هذا الجهد بمراحل. ولذلك يتوقع العديد من المختصين أن تصل ذروة الانتاج الامريكي الصخري في عام 2017م ،ولكنها لن تدوم طويلاً وسوف ينخفض الانتاج بعد سنتين من ذلك ليعود الى نفس مراحل انتاج عام 2012م أي عند معدلات 6 ملايين برميل يومياً.

وهذا يذكرنا بما حدث في وقت الذروة الاولى في عام 1970م، حيث وصل الانتاج الامريكي الى حوالي 9.6 مليون برميل باليوم ثم بدأ بالانخفاض وبشكل سريع ليصل الى حوالي 8 ملايين برميل في عام 1976م اي بعد ست سنوات، وهذا يدل على ان فترة الذروة الاولى لم تدم أكثر من عام.

قد تصل أمريكا إلى ذروة انتاج النفط في حوالي عام 2020م، وقد تستطيع الوصول إلى انتاج حوالي 11 مليون برميل باليوم اذا استمرت بنفس قوة الدفع الحالية.

ولكن يبقى السؤال الأهم هل هذا النمو الكبير في الانتاج والوصول للذروة الثانية مجرد بداية لحقبة جديدة قد تمتد لعشرات السنين أم أنه مجرد حفلة نهاية الخدمة لصناعة النفط والغاز في الولايات المتحدة؟.

نقلا عن جريدة اليوم