مُدنٌ تنافس مُدناً

17/03/2014 0
د. إحسان بوحليقة

ما الأنسب أن نستحدث مدناً اقتصادية أم نرتقي بإمكانات مدننا القائمة؟ كما هو الحال دائماً، تتفاوت وجهات النظر حول الإجابة النموذجية لهذا السؤال، لكن بالإمكان القول إن استحداث مدن اقتصادية جديدة يجب ألا يكون الخيار الأول، بل يجب أن يحتفظ به كخيار أخير، والسبب أنه هو الأعلى تكلفة وسيستغرق وقتاً طويلاً، أما الارتقاء بتأهيل المدن أو البلدات القائمة لتصبح مدناً اقتصادية ذات بنية تحتية مميزة وسعة لاستيعاب الأنشطة الاقتصادية المنتجة. فهو أقل تكلفة، لا سيما أن الحكومة الموقرة قد أطلقت بالفعل برنامجاً تنموياً طموحاً لتحديث واستكمال البنية التحتية في أنحاء البلاد، وهي تسعى لتنفيذ ما تدعو له الخطط الخمسية من ضرورة احداث تنمية متوازنة في أرجاء البلاد. وهكذا، نجد أنه مع اكتمال سنوات الخطة الخمسية التاسعة وتمام تنفيذ مشروعاتها فينبغي أن تكون جميع مدننا وبلداتنا ملائمة لأن تكون «مدناً اقتصادية».

أما فكرة استحداث مدن اقتصادية فهي بحاجة لإعادة تمحيص، وإن كان لا بد منها فيترك أمرها للقطاع الخاص، بمعنى أن إطلاق مدن اقتصادية جديدة لا بد أن يثبت جدواه الاقتصادية إبتداء، أخذاً في عين الاعتبار أنها تقام لتحقيق رؤية لشركة خاصة أو لمجموعة من الشركات لها الرغبة في خوض غمار تحقيق رؤية خاصة بها من أجل تحقيق مكاسب.

وفي هذا السياق، فالعالم يعج بتجارب انشاء تلك المدن، وما يجمع بين تلك التجارب أنها تتفاوت بتفاوت دوافع البلدان، بمعنى أن الاطار التنظيمي والاستثماري والشراكة بين الحكومة والقطاع الخاص فيما يتعلق بالمدن الاقتصادية ليس لها ضابط محدد سوى ما يحقق أهدافاً تنموية تنطلق من احتياجات البلد، وليس لها قوانين ونواميس عالمية. وهكذا، يصبح من المبرر القول إن علينا إعادة النظر في انشاء المدن الاقتصادية كمبادرة حكومية، إذ لا يوجد ما يجعلنا نوجد منافساً لمدننا وبلداتنا المأهولة، التي عانى ويعاني بعضها من هجرة سكانها للمدن الكبيرة طلباً للفرص التعليمية والوظيفية بل وحتى الاستثمارية.

ومادمنا على أعتاب إطلاق خطة خمسية جديدة (الخطة العاشرة)، فعلينا التركيز على إنجاز أهداف قائمة ومنذ عقود تتمحور حول تنويع الاقتصاد الوطني.

وسيتحقق تنويع الاقتصاد الوطني بأن ننوع الاقتصاد المحلي لكل مدينة وبلدة وقرية وهجرة سعودية، وإن لم نتمكن من تنويعها فليس أقل بأن نجعل لكل منها مرتكزاً منتجاً واحداً على الأقل، من زراعة أو صناعة أو سياحة أو تعليم أو خدمات لوجستية أو أنشطة متصلة بالاقتصاد المعرفي.

وهكذا، تصبح المراكز الحضرية مراكز انتاج كذلك، وبذلك تصبح مدنا أو بلدات أو قرى اقتصادية! ولعل من الملائم بيان أن ما يجعل المدن نشطة وتتحلى بالحيوية الاقتصادية هو وجود «مغناطيسات» و«مولدات» للقيمة، فبمجرد وجودها سيتقاطر عليها الباحثون عن عمل وأصحاب رؤوس الأموال، وبالقطع فإن توفر البنية التحتية وتلاشي عوائق الاستثمار سيجعل «التقاطر» أكثر كثافة وأعلى جودة.

ولعل حواضرنا متلهفة لهذا النهج (نهج الارتقاء بتأهيلها الاقتصادي) خصوصاً التي لا تتمتع بأي اقتصاد محلي يولد قيمة مضافة، فهناك قرى يقيم أودها ما ينفقه موظفو الدوائر الحكومية وما يتلقاه الأهالي من إعانات من أبنائهم المقيمين بعيداً.

نقلا عن جريدة اليوم