من المنطقي جداً أن يكون لدينا أولويات في حياتنا.. وكذلك في وطننا.. والبحث العلمي في الدول النامية "وإن كنت لا أصنف وطننا ضمنها لكني أصنفه ضمن الدول المتقدمة مهما جلدنا ذاتنا رغبة في تنميته وتطويره!" يحظى بإهمال كبير وربما لا يقترب من الأولويات الفردية أو المجتمعية على الرغم من أهميته.. وعندما يلتفت إليه تطغى العاطفة على تلك الالتفاته فلا تحقق للوطن أو المجتمع شيئاً يذكر! والعاطفة هنا تعني الاهتمام بالقشور دون الولوج بعمق البحث العلمي إلى أقاصي القضية اختيارا واختبارا.
كم عدد أعضاء هيئة التدريس بجامعات الوطن السعوديين منهم وغير السعوديين؟ وكم عدد طلاب الدراسات العليا السعوديين داخل الوطن وخارجه؟ أين هي أبحاثهم ودراساتهم؟ وهل شخصت واقعاً أو بحثت في قضية تلامس المجتمع أو قدمت حلولاً لمشاكل مجتمعية أياً كانت تلك المشكلات؟ ربما تكون الإجابة "صادمة" للبعض خصوصاً من كان منهم خارج إطار المجال الأكاديمي! وأين نتائج تلك الدراسات؟ هل تبحث ويتم العمل على الاستفادة من المناسب منها أم تظل حبيسة الأدراج والأرفف؟!.
ولدينا مدينة متكاملة للعلوم والتقنية لها منجزات ضخمة لا يمكن التقليل منها بل إننا نقف بفخر تقديراً لها ولمنجزاتها في المجال التقني لكننا نتساءل عن جدوى تلك الأبحاث.. ولدينا مركز مميز للحوار الوطني.. ولدينا عمادات للبحث العلمي في كل جامعات الوطن.. ولدينا مجلات علمية تنشر الأبحاث والدراسات المحكمة.. ولدينا هيئة للخبراء ومجلس للشورى وإدارات ومراكز متعددة للدراسات والأبحاث بعضها يتبع القطاعات الحكومية والآخر يتبع قطاعات خاصة وخيرية أيضاً ولدينا مركز بحثي يتبع شركتنا النفطية العملاقة "أرامكو" وآخر يتبع شركتنا الوطنية العملاقة للصناعات الأساسية "سابك".. ولا نزال "في نظري" وأتمنى أن أكون مخطئاً لم نحقق من أهداف "كل أو معظم" تلك المراكز إلا "الهش" من الدراسات "والقليل" من التوصيات الفاعلة في حق الوطن!
نحن بحاجة في نظري إلى إعادة صياغة أولوياتنا خاصة في المجال
البحثي.. فالبحث العلمي يجب أن يدرس قضايا وطنية ويبحث في أمور مجتمعية عميقة بدلاً من هذا الذي يحدث!
أولوياتنا أيها الباحثون ليست في اختراع أو صناعة!! فنحن نستطيع استيراد ذلك! لكن علينا التركيز في أبحاث علمية عميقة "وليست عاطفية" تتغلغل في أقاصي تركيبات مجتمعنا لتبحث في قضاياه.. الإرهاب ليس عملاً تقنياً لكنه سلوك فردي أو جماعي فهل بحثناه عمقا؟ والجماعات والتوجهات ومناصرة الأعداء "أحيانا" ليست مسائل تقنية لكنها مسائل تغوص في السلوك والشأن المجتمعي.. فهل بحثناها بعمق؟! بناء وتقوية الوطنية مسألة مجتمعية وليست تقنية أيضاً.. أحس أننا جميعا نتباهى بالبحث التقني أو المرتبط بشأن علمي بحت لكننا لم نلتفت بعمق لهمومنا وشجوننا الوطنية لنبحثها بعمق أيضاً.
حتى مراكز أبحاث قطاعاتنا الصناعية والنفطية لم تقدم لنا شيئا يذكر يرتبط بحياتنا.. أين أبحاث ونتائج أبحاث بدائل النفط مثلا؟ بل أين أبحاث ونتائج أبحاث الصناعات التحويلية.. نحن نبيع النفط بثمن بخس ثم نشتريه "استيرادا" كمنتجات تعتمد على النفط خامة أساسية بأغلى الأثمان
أيضاً.. فلماذا لا نصنع نحن تلك المنتجات وهل بحثت مراكزنا البحثية العلمية ما يخص هذا الشأن؟! ونحن أيضا وطن تقسو عليه حرارة الشمس فهل قمنا من خلال أبحاثنا بتسخير هذه الحرارة القاسية لتكون طاقة تشغيلية "سؤال طرحه عليّ طفل عندما شاهد كيف أن بلداً أوروبياً استفاد من الرياح في منطقة معينة لتكون مصدر طاقة كهربائية لتلك المنطقة من خلال المراوح الضخمة!"
أرجو أن نلتفت ل"الوطن" بحثا علميا عميقا صادقا لا يقترب من العاطفة بقدر ما يصوغ رؤى وطنية تساهم في رسم مستقبلنا أيها الباحثون .. وليكن البحث العلمي رافدا اقتصاديا بدلا من كونه عبئا اقتصاديا.. ودمتم.
نقلا عن جريدة الرياض
والله إنهم خرّبوا مصطلح البحث العلمي ... شراء ذمم باحثين عالميين لكتابة اسم الجامعة على البحث.. إنشاء كراسي بحث لم تقدم سوى 10% مما يفترض بها أن تقدّمه ... حتى جامعة الملك عبدالله في ثول لم تسلم من هذا الفساد ...!!