مع ارتفاع معدل التوتر بين روسيا ودول الاتحاد الأوروبي بسبب أوكرانيا ظهر الى السطح احتمال المقاطعة التجارية لمعاقبة روسيا على تدخلها المباشر في شبه جزيرة القرم.
وبالنظر الى قطاع الطاقة الاوروبي نجد ان دول الاتحاد الاوروبي تنتج حوالي 30% من طاقتها بواسطة الغاز الطبيعي والنفط، ومعظم هذه المصادر مستوردة من روسيا.
وتعتبر روسيا أكبر منتج للنفط وللغاز الطبيعي في أوروبا، وهي صاحبة أكبر احتياطي مثبت للنفط في أوروبا، وأكبر احتياطي للغاز الطبيعي في العالم.
وتصدر روسيا حالياً اكثر من 7 ملايين برميل باليوم من النفط، وتأتي النرويج بالمرتبة الثانية في اوروبا بحوالي مليونين، وبريطانيا بالمرتبة الثالثة بحوالي مليون برميل يومياً.
واللافت للنظر ان الانتاج الروسي للنفط ارتفع منذ عام 2002م بحوالي 3 ملايين برميل باليوم، بينما انخفض انتاج معظم الدول الاوروبية بقدر كبير.
وتعتمد دول الاتحاد الاوروبي اعتماداً رئيسياً على النفط الروسي فروسيا تصدر حوالي 1.5 مليون برميل يومياً الى كل من المانيا وهولندا وفرنسا وايطاليا مجتمعة.
اما بالنسبة للغاز الطبيعي فيبقى الورقة الاقوى في يد روسيا لانها تزود معظم الدول الاوروبية بكميات كبيرة منه.
فحوالي نصف حاجة النمسا وثلث الطلب الالماني وربع الطلب الايطالي على الغاز يأتي من روسيا. واكثر من ثلثي حاجة تركيا وكل طلب دول البلطيق وفنلندا و15% من الطلب السويسري والفرنسي على الغاز مصدره روسيا.
ولا تبلغ كل احتياطيات دول الاتحاد الاوروبي مجتمعة 5% من احتياطيات روسيا الهائلة.
ويجب ان لا ننسى ان دول اسيا الوسطى والتي ترتبط بعلاقات وثيقة بموسكو مثل تركمانستان والتي تمتلك رابع اكبر احتياطي غاز طبيعي بالعالم تبيع جزءاً كبيراً من غازها لروسيا التي تقوم بتصديره لأوروبا بواسطة انابيبها الممتدة غرباً.
والجدير بالذكر ان احتياطيات روسيا وتركمانستان من الغاز الطبيعي مجتمعة تبلغ اكثر من ربع الاحتياطي العالمي المثبت للغاز الطبيعي.
ولقد تمكنت موسكو من الحصول على امتيازات كبيرة تمكنها من السيطرة على كثير من غاز دول الاتحاد السوفيتي السابق.
وحتى الفحم الحجري المصدر الاول لتوليد الطاقة بالعالم، تملك روسيا ثاني اكبر احتياطي للفحم الحجري بالعالم. لذلك فان روسيا تعتبر مصدر اوروبا الاول في الطاقة الاحفورية.
وتشكل صادرات النفط والغاز الروسي الى اوروبا اكثر من نصف ايرادات الميزانية الروسية. ولهذا فان العلاقات مع الاتحاد الاوروبي هي في منتهي الاهمية لانها مصدر للعملة الصعبة.
ولقد وصل اعتماد دول الاتحاد الاوروبي في المقابل على النفط الروسي الى حوالي 35% من استيرادها واما على الغاز الطبيعي الروسي فهو يمدها بحوالي 31% من حاجتها.
لذلك فان روسيا معنية ومهتمة بتدفق الاموال الاوروبية لدعم ميزانيتها ولدعم مشاريعها الاقتصادية وطموحاتها التوسعية.
ولقد قطعت روسيا امدادات الغاز عن أوكرانيا مرتين في 2006 و 2009 عقب فشل الدولتين في التوصل الى اتفاق بشأن أسعار الغاز، الامر الذي نتج عنه تعطيل تسليم الغاز الى اوروبا بالكامل عن طريق اوكرانيا التي يمر بها حوالي ربع الغاز الذي يستخدمه الاتحاد الاوروبي.
ولكن هل باستطاعة اوروبا بسبب الأزمة الحالية في اوكرانيا ان تقاطع الصادرات الروسية؟ يبدو ان الاستغناء عن النفط الروسي ليس بالامر الصعب لوجود معروض في الاسواق خاصة مع انخفاض استيراد الولايات المتحدة للنفط بسبب زيادة انتاجها للنفط الصخرى.
وقد يباع النفط الروسي في اسيا بدلاً عن اوروبا ويستطيع نفط الشرق الاوسط ان يعوّض بالمقابل الطلب الاوروبى.
ولكن يكمن التحدي الكبير في الغاز الطبيعي حيث تزّود روسيا اوروبا بحوالي 160 بليون متر مكعب سنوياً بواسطة الانابيب وبأسعار تتراوح ما بين 10-12 دولارا للمليون وحدة حرارية.. وهي اسعار بلا شك اقل من اسعار المنافس وهو الغاز المسال والتي تقترب من 16-18 دولارا للمليون وحدة.
ولن يكون من السهل الاتجاه الى استهلاك الغاز المسال لان كثيرا من الدول الاوروبية مثل النمسا وهنغاريا وسويسرا هي دول داخلية ولا تطل على بحار، مما يجعل عملية استقبال ناقلات الغاز الطبيعي المسال امراً غير ممكن.
وحتى الدول الاخرى مثل المانيا والتي تعتمد اعتماداً رئيسياً على الغاز الروسي بسبب اغلاق مفاعلاتها النووية والاتجاه اكثر للاعتماد على الغاز الطبيعي والطاقة المتجددة لن تستطيع بسهولة الاستغناء عن الغاز الروسي، حيث البنية التحتية الجاهزة لاستيراد الغاز الروسي.
بينما سيكلفها انشاء منصات استقبال الغاز الطبيعي المسال واعادة تحويله من سائل الى غاز الكثير من المال.
ويترقب العالم حالياً تطور مشاريع عملاقة لانتاج الغاز الطبيعي وتسييله في كل الولايات المتحدة واستراليا بغرض التصدير.
وتبلغ الكميات المعدة للتصدير من امريكا واستراليا حوالي 120 بليون طن سنوياً من الغاز الطبيعي المسال، وذلك بحلول 2020م او ما يعادل 103 بلايين متر مكعب.
وسيكون بالتأكيد بامكان اوروبا ان تستورد كميات كبيرة من هذا الغاز، ولكن يبقى ارتفاع تكلفة انتاج ونقل الغاز الاسترالي حجر عثرة وعائقا اقتصاديا كبيرا.
واما الغاز الامريكي فهو الانسب من ناحية المسافة ومن ناحية انخفاض تكاليف انتاجه والذي يجعل سعره اعلى قليلاً من الغاز الروسي.
وهذا يقودنا الى الاستنتاج ان اوروبا لن تستطيع ان تفلت من حاجتها للغاز الروسي وادمانها عليه في القريب العاجل.
ورغم ارتفاع اعتمادها مؤخراً على الغاز المسال من قطر وغيرها الا ان هذا الغاز ما زال اغلى من الغاز الروسي. هذا بالاضافة الى انه لا توجد الكميات التي تكفي دول الاتحاد الاوروبي اذا ما ارادت مقاطعة الغاز الروسي.
الجدير بالذكر ان اعتماد اوروبا على الغاز الروسي انخفض من 45% في عام 2002م الى حوالي 32% حالياً بسبب ارتفاع استهلاكها من الغاز المسال المستورد من الشرق الاوسط وافريقيا.
وفي الختام تعد الولايات المتحدة حالياً اكبر منتج للغاز الطبيعي في العالم بسبب التوسع في انتاج الغاز الصخري، واذا تم الانتهاء من مشاريع تصدير الغاز المسال فستكون اوروبا واليابان اكبر الزبائن المتعطشين لهذا الغاز.
ولهذا قد تستطيع بعض دول اوروبا الاستغناء عن الغاز الروسي اذا استطاعت امريكا تعويضها بما تحتاجه من الغاز المسال.
وهذا قد يجعل من الغاز الصخري الامريكي سلعة استراتيجية من طراز فريد تستطيع ان تؤثر في المشهد السياسي العالمي. ويعدها بالمزيد من الاستثمارات وبالدعم السياسي من الحكومة الامريكية.
نقلا عن جريدة اليوم