تحدّياتنا الاقتصادية ما بعد التصنيف الممتاز

09/03/2014 1
محمد العنقري

حصول المملكة على تصنيف ائتماني ممتاز بجودة عالية من وكالة فيتش يُعدُّ عامل قوة ومعزِّزًا لمكانة الاقتصاد الوطني ومنافسته عالميًّا.

وأوضحت وكالة فيتش أن الملاءة الماليَّة للمملكة قوية جدًا والنظام المصرفي منخفض المخاطر جدًا ومستوى الديون السيادية للناتج المحلي تُعدُّ من الأقل عالميًّا.

فيما أظهر هذا التصنيف أن المملكة تقع بالمرتبة السابعة من حيث الجدارة الائتمانيَّة بين دول مجموعة العشرين تتفوق بذلك على دول مثل اليابان وكوريا الجنوبية، فالتصنيف الائتماني مهمٌ جدًا للدول والشركات وقد بدأ تاريخيًّا عام 1909 من خلال صاحب الفكرة جون مودي الذي وضع أول مؤشرات قياس الجدارة الائتمانيَّة وكان وقتها لتصنيف سندات السكك الحديدية في أمريكا لتتوسع أعمال التصنيف بعدها وتشمل الدول وأصبحت للتصنيفات الائتمانيَّة أهمية كبيرة لأنّها تكشف المعلومات والمؤشرات الماليَّة عن الدول والشركات ليتسنى للمستثمرين والمقرضين الاطِّلاع عليها وبذلك يسهل عليهم اتِّخاذ القرار المناسب سواء للإقراض أو الاستثمار.

ولكن على الرغم من أن هذا التطوّر الإيجابيّ بتصنيف المملكة الائتماني لم يأت من فراغ بل بجهود كبيرة دعمها ارتفاع أسعار النفط والتركيز على معالجة الوضع المالي السابق للدولة الذي عانى بسبب تراجع أسعار النفط والحروب بالمنطقة إلا أن التحدِّيات الاقتصاديَّة للمملكة ما زالت كبيرة خصوصًا أنها في أكبر مراحل الإنفاق على التنمية تاريخيًّا فبحسب وكالة فيتش مازالت البطالة بمعدلاتها الحالية عند 11.7 بالمئة تمثِّل تحدّيًا كبيرًا لاقتصاد المملكة فهي مرتفعة عن معدلات البطالة بدول تفوقت عليها المملكة بالتصنيف الائتماني الجديد وتقوم وزارة العمل بجهود كبيرة لخفضها لكن الوصول لمعدلات منخفضة بالبطالة لا يمكن أن تحل من خلال جهة واحدة أو من خلال واقع سوق العمل الحالي فالتنمية المطلوبة التي تنخفض معها البطالة وتستوعب القادمين لسوق العمل والذين يفوق عددهم 200 ألف سنويًّا على الأقل تتطلب توسعًا كبيرًا بمختلف القطاعات الاقتصاديَّة كالصناعة والخدمات وغيرها وهذا بدوره يعني تطوير الآليات التي تجذب الاستثمارات المحليَّة والأجنبية للمملكة.

كما أن تطوير الأنظمة والإجراءات الكفيلة بالحدِّ من تعثر المشروعات ومكافحة الفساد والتخلص من البيروقراطية تُعدُّ تحدِّيات كبيرة تحتاج إلى رفع الكفاءة الإدارية بالجهات الرسمية والوقوف على كلّ ما يعطل التنمية ومعالجة أسبابه ومسبباته من خلال الأجهزة التشريعية والرقابية فليس كل ما يعيق تنمية أيّ اقتصاد هو توفر المال من عدمه بل من خلال تطوّر بالانظمة يزيل العقبات أمام التنمية والوصول لأفضل النتائج المستهدفة.

كما يمثِّل تنويع مصادر الدخل تحدّيًّا كبيرًا وذلك بهدف تقليص الاعتماد على تصدير النفط فرغم تركيز كل خطط التنمية الحالية والسابقة على تنويع مصادر الدخل إلا أن النفط مازال يشكل ما يفوق 90 بالمئة من إيرادات الخزينة العامَّة مما يعني أن عجلة الاستثمارات وتوسيع الطاقة الاستيعابية للاقتصاد هدف لا بُدَّ من الوصول بوتيرة أسرع من السابق لكي تنعكس إيجابيات ذلك على الاقتصاد المحلي بمختلف جوانبه بما فيها تحسين مستوى الدخل للأفراد بعيدًا عن مخاوف تراجع أسعار النفط مستقبلاً وكذلك لتقليص فاتورة الاستيراد التي تجاوزت 600 مليار ريال العام الماضي مقارنة بصادرات غير نفطية لم تصل إلى 200 مليار ريال التي تشكّل منتجات مرتبطة بالنفط والغاز جزء كبير منها أيّ أن تأثير النفط والغاز كبير جدًا بمجمل صادرات المملكة فحجم الواردات الضخم يمثِّل فرصًا كبيرة لضخ الاستثمارات لأنَّه يعبّر عن طلب كبير على السلع والخدمات وهذا يُعدُّ من عوامل توطين الاستثمارات الصناعيَّة والخدميَّة وغيرها لجاذبية السوق المحلي.

إن حصول المملكة على التصنيف الممتاز مرتفعًا من AA- إلى AA يُعدُّ خطوة مهمة للاقتصاد المحلي لكن المحافظة عليه مهمة أصعب، كما أنّه لا ينهي أو يقلص من حجم التحدِّيات الاقتصاديَّة سواء بالبطالة أو تحسين مستوى معيشة المواطن إلا من خلال استثماره بجهود جماعية من كافة الجهات المعنية بالتنمية للتحول نحو اقتصاد متنوع الدخل والإنتاج وبكفاءة إداريَّة وتنظيمية عالية للوصول لأهداف التنمية المأمولة فأسعار النفط ليس مضمونًا بأن تبقى بمستوياتها المرتفعة الحالية لفترة طويلة وبالمقابل فإنَّ متطلبات الإنفاق بالاقتصاد تتزايد والوصول لمرحلة قد يستنزف من الاحتياطيات الماليَّة للدولة لتغطية النفقات العامَّة أمر وارد جدًا إذا لم ننتقل لمرحلة يقل فيها الاعتماد على الإنفاق الحكومي وترتفع معها الإيرادات ويستمر النمو الاقتصادي بوتيرة مناسبة من خلال توسيع دور القطاع الخاص دون أن يعتمد على مشروعات الحكومة التي تمثِّل حاليًّا النسبة الكبرى المؤثِّرة بنشاطه.

نقلا عن جريدة الجزيرة