في العام 1960 نشر البرفسور كندلبرجر بحثاً في مجلة السياسة العالمية التي تصدر عن جامعة كمبردج، بعنوان «الأسس الفنية للتكامل الاقتصادي»، وبين أن الأسس المتينة للسياسة هي اقتصادية في الأساس، ومع مرور الوقت أدرك العالم أن تلك الأسس ليست اقتصادية فحسب بل اجتماعية-اقتصادية.
في العام 1997 وقعت دول «الآسيان» رؤيتها للعام 2020.
ويبدو أن رابطة «الآسيان» تتحدى ذاتها، فلم تنتظر قدوم العام 2020 بل استبقته بإطلاق مبادرة ريادية في العام 2007، للإسراع بإنشاء «مجتمع الآسيان» (Asean Community).
وبالتأكيد فإن مساعي «الآسيان» تكتنفها التحديات، ومع ذلك فمبادرتهم لإقامة «مجتمع الآسيان» تستوجب التأمل العميق؛ أما دول مجلس التعاون الست هي مجتمع قائم منذ القدم.
ما ينقصنا، مقارنة بمجموعة «الآسيان»، أمران: الأول، الإزالة المتدرجة للحواجز المستجدة.
الثاني، الإنجاز الجاد ضمن رؤية ترتكز إلى أن المجتمع وأنشطته (بما فيها الاقتصاد) هو الأهم؛ فهو محرك دائب الدوران منذ بداية التحضر في منطقتنا.
هناك اهتمامات وطنية وإقليمية وعالمية، وهناك اهتمامات خليجية وما وراء الخليجية.
السؤال: ما هي اهتماماتنا الخليجية؟ والقصد بالاهتمامات هنا؛ تلك التي تطور حرية الأشخاص اجتماعياً واقتصادياً.
وطلباً للتحديد، فيمكن صياغة السؤال بوضوح أكثر: ما هي المبادرات والإنجازات التي اتخذناها على مستوى دول مجلس التعاون لتعزيز المواطنة الخليجية للأشخاص؟ سؤالي ليس نظرياً، إذ لا بد أن تنطلق الإجابة مما نُفذ وينفذ، وليس من مجرد ما قُرر.
كمواطن خليجي، أتفهم أن تستغرق الحكومة في اهتماماتها المحلية، شرط إدراك أن اهتمامها بمحيطها اللصيق يقع في صلب انشغالاتها المحلية، وأن دول مجلس التعاون هي المحيط اللصيق لبعضها البعض.
وهنا يتولد سؤال: هل حظيت الملفات الخليجية الاجتماعية-الاقتصادية باهتمام يَدفعهُ الإنجاز وتحقيق نتائج ضمن حيز زمني محدد أكثر من مجرد كونه «دف ورق»؟ أظن أننا مع كثرة اللجان وتتابع انعقاد اجتماعاتها وقعنا في فخ الرتابة.
ومع ذلك، فليس من الانصاف الانكار أن ثمة ملفات ساخنة قيد البحث في دهاليز مجلس التعاون، فهل من بينها ملف المجتمع الخليجي؟! ولا سبيل للاستغناء عن هذا الملف، فهو البوصلة والمرتكز، باعتبار أنه يقوم على ما جَمَعنا لقرون؛ فنحن لدينا مجتمع قائم ولسنا كحال «الآسيان» الذين يريدون إنشاء مجتمع يجمعهم!
فضلاً عن أن أوليات اكتساب أسباب القوة لأي تكتل تكمن في تقارب الدول المكونة له، بهدف تعزيز التواصل الإنساني، انطلاقا من أن تقوية الأواصر بين الناس تؤدي حتماً لمزيد من الحيوية الاجتماعية والنشاط الاقتصادي.
وبصورة أكثر تحديداً، لعلنا بحاجة لتحريك الملفات الخليجية-الخليجية ذات الصلة بالشأن الاجتماعي-الاقتصادي، بما يؤدي لإنجازها وليس لمواصلة نقاشٍ أنهك مفردات العربية على كثرتها، وتأجيلٍ ابتلع جيلاً.
وليس القصد هنا التقليل من أهمية بقية الملفات أو حتى تجاهل سخونتها والحاحها، بل القصد -كل القصد- بيان أنها ملفات -على أهميتها- ثانوية من ملف جذري هو «مجتمع الخليج العربي».
نقلا عن جريدة اليوم
ابق على اطلاع بآخر المستجدات.. تابعنا على تويتر
تابِع
تحليل حول سحب السفراء من قطر بقلم شئون استراتيجية @Strategyaffairs لأول مرة منذ تأسيس مجلس التعاون الخليجي يحدث أن تصل الخلافات بين أعضائه إلى الحد الذي وصلت إليه في بيان سحب السفراء من قطر. البيان الثلاثي للسعودية والإمارات والبحرين جاء ليفتتح مرحلة جديدة من الصراع ضد الربيع العربي والذي تعتبر قطر أحد أهم داعميه. البيان الثلاثي أكد أن سحب السفراء جاء لعدم التزام قطر بمبادئ مجلس التعاون وهو ما نفته قطر في بيانها الذي أشار أن الخلاف بسبب ملفات خارجية. مبررات صدور البيان الثلاثي موجودة منذ التسعينات في السياسة القطرية داخل الخليج وصدوره الآن يؤكد صحة رواية قطر بأن أسبابه خارجية. مشكلة قطر بالنسبة لبقية أنظمة الخليج تكمن في تبنيها قضايا الشارع العربي بطريقة ساعدت على فضح الأنظمة القمعية مما سهل سقوط بعضها. دول الخليج تنظر للربيع العربي كخطر يهدد وجودها كأنظمة حاكمة ولذا تجعل إسقاطه أولوية تأتي حتى قبل قضايا أمنها الإقليمي إيران. المشروع الأساسي لإيقاف الربيع العربي تمثل في اجهاض ثورة مصر عبر الانقلاب الذي أنفقت عليه الرياض وأبو ظبي عشرات المليارات. مليارات الخليج صنعت انقلاب مصر إلا أن استمرار الحالة الثورية التي تدعمها قطر أدى لتدهور الاقتصاد واستنزاف مليارات أخرى ولذا يجب إسكات قطر. تحييد قطر سيحرم الشارع الثوري بمصر من تغطية الجزيرة القناة الأولى في العالم العربي وابتعاد قطر عن الإخوان قد يدفعهم نحو أي تسوية مع العسكر. بعد مضي ٨ شهور على انقلاب السيسي واستمرار المظاهرات ضدة وهروب الاستثمارات من مصر بدى واضحا أن سقوط الانقلاب مسألة وقت لا أكثر. معركة مصر معركة طول نفس ولذا سينتصر فيها الشارع الذي لا يحتاج إلا للتظاهر بعكس العسكر الذين لا يستطيعون الاستمرار دون المليارات والمجازر. ثورة أوكرانيا الثانية جعلت السعودية توقن أن استمرار الحالة الثورية في الشارع المصري ستقود لشيء مماثل قرب الزمان أو بعد ! السعودية لا تريد أن تكون كروسيا التي أنفقت على اجهاض الثورة الأوكرانية الأولى عشرات المليارات لمدة عشر سنين ثم ذهبت مع الريح بثورة جديدة. إبعاد قطر عن التأثير في المشهد العربي يعتبر صمام أمان يحول دون حدوث موجة ثانية من الثورات ولذا فالبيان الثلاثي ما هو إلا بداية لعزل قطر !