سنحت لي الفرصة أن أزور الدوحة قبل أيام. بالنسبة لي، فالدوحة تتمتع بجمال فريد، لا يكمن في المستجد من عماراتها العالية، بل في العديد من المبادرات التي أخذت ترسم سحنة جديدة لتنمية اقتصادية-اجتماعية ترتكز إلى خطة لتنويع الاقتصاد استناداً لمبادرات ريادية من جهة، ولإطلاق مبادرات للارتقاء بتطوير الموارد البشرية، وتحديث البنية التحتية، وزيادة الطاقة الاستيعابية للاقتصاد وتنويعه والسعي حثيثاً لتحقيق نقلة في الاقتصاد المعرفي.
ولا يتسع المجال للإسهاب، لكنه يكفي للانتقال أن المؤشرات التنموية في تصاعد، وفقاً لتقارير المنظمات الدولية المتخصصة.
وكانت دولة قطر قد أصدرت في العام 2008 رؤيتها للعام 2030؛ وهي عبارة عن مرتكزات للتنمية والنمو، وبينت ما الذي يجب أن تحققه قطر قبل حلول ذلك العام. وكذلك فلكل دولة من دول مجلس التعاون رؤية تخطيطية، تجد ذلك في المملكة (1440هـ)، وفي سلطنة عمان (2020)، على سبيل المثال لا الحصر.
وبالنسبة للخطط طويلة المدى التي أعدها عدد من دول مجلس التعاون، فنجد أنها تتشابه نظراً لتشابه الواقع وللتماثل –للحد البعيد- في الهيكلية الاقتصادية، والفارق سيكون بما تمتلكه كل خطة من منهجية تصرّ على حسن التنفيذ.
ما يدفعني لهذا أن أمام دول مجلس التعاون تحديات على أكثر من صعيد، وقد سعت كل من تلك الدول أن تضع لها تصوراً خاصاً بها للتعامل مع تلك التحديات، السؤال: ماذا عن تحديات العمل المشترك، تسعى للإجابة عما سيكون عليه مجلس التعاون في العام 2030 أو حتى لما بعد؟ وكيف ستكون المواءمة بين الخطط الوطنية للدول الست وبين خطط التكتل الخليجي؟ ليس صعباً وضع خطط تنموية تحوي تفاصيل التفاصيل، لكن التحدي –كما ندرك جميعاً- يكمن في التنفيذ، والتحدي الآخر أخذ البيئة المحيطة في الاعتبار.
والبيئة المحيطة تمثل جملة العوامل الخارجية التي لا تقع بالضرورة تحت تحكم الدولة وسلطتها. ولذا، فإن تسعى دول المجلس سوياً لوضع خطة للتنمية والنمو حتى العام 2050 أمر حيوي لأكثر من سبب، يأتي في مقدمة تلك الأسباب أن الخطط الوطنية تبقى مبتورة إن لم تأخذ في الاعتبار البيئة المحيطة.
ومع إدراك أن لكل دولة من الدول الست سيادتها التامة على أرضها ومقدراتها، لكنها جميعاً بحاجة لأن تخطط تخطيطاً متوائماً مع التطلعات الخليجية المشتركة فمن مزايا ذلك أنه على الأقل سيحد من التعارض بين الخطط الوطنية، وسيعزز فرص التكامل فيما بين تلك الخطط.
ما يحدث حالياً، أن تطلعات دول مجلس التعاون إجمالية لا تقودها خطط تفصيلية وجدول زمني محكم.
ورغم اتفاق كل الدول على المبادرات والمشاريع إلا أن السمة السائدة التأخير حينا والتعطيل أحياناً.
ما سبب ذلك؟ أننا نتفق سريعاً في البداية ثم يأخذنا النقاش بعيداً بعد ذلك، ولعل الملف الاقتصادي خير شاهد.
ولن أجادل في «الحليب المسكوب»، لكني أقول إننا بحاجة لبناء رؤية واقعية لمجلس التعاون للعام 2050، لا لنثري بها أدبيات التخطيط والتنمية فقط، بل لننفذها بالتزامن مع الخطط الوطنية الطموحة للدول الست.
نقلا عن جريدة اليوم