يبدو أن عدم رغبتنا في كثير من الأحيان في الاعتراف بالتحدِّيات التي نواجهها أو تجاهلنا لأسبابها الحقيقية أفضى إلى طول أمدها على المستوى العالمي أو المحلي.
فعلى الرغم من أن التحذير العالمي لأزمة الغذاء وخطورتها على الجيل الجديد قد بدأ منذ أكثر من ثلاثة عقود ومثلت همًا رئيسًا لجميع المعنيين من رجال السياسة والاقتصاد.
ولم يعد التغافل عنها أو تجاهلها أمرًا مقبولاً على المستوى السياسي أو العلمي.
أقول: على الرغم من ذلك فإن الأزمة لا زالت تتفاقم يومًا بعد الآخر والتحذير من تبعاتها على المستوى العالمي يزداد جلاءً ووضوحًا.
والسبب في تقديري يعود إلى أن المجتمع العالمي اعترف بالأزمة ولم يقف على أسبابها الحقيقية.
جلُّ التحذيرات التي رفعت في السابق عن الأزمة تشير بأصابع الاتهام إلى النمو الكبير في عدد سكان العالم بما يفوق مساحة الرقعة الزراعية مع تراجع الأراضي الخصبة بفعل التصحر وغيره. أي قلة الغذاء في مقابل عدد السكان.
لم يكن هذا السبب كافيًّا لإقناع الفقير إلى ربه. وكنت دائمًا أضع علامات استفهام كثيرة على هذا السبب المزعوم منذ أن كنت طالبًا في مرحلة الماجستير في جامعة بتسبرغ/ بنسلفانيا. يذكر ذلك جيدًا زملاء الدراسة.
وكان مصدر ذلك هو إيماني بأن الإنسان ليس مصدر استهلاك فقط بل هو مصدر إنتاج أيضًا. وهذ يعني أن زيادة عدد السكان ستساعد على زيادة الأنتاج فالإنسان يستهلك وينتج شأنه شأن الشجرة التي تستهلك وتثمر، بل هو يفوقها عقلاً وقدرة وإنتاجه غير محدود، وقد ميَّزه الخالق على كافة المخلوقات.
وبالتالي فإن زيادة السكان لا تمثِّل تهديدًا للعالم كما يدعيه هؤلاء.
وإن التهديد الحقيقي لنقص المخزون الغذائي يعود في كثير من أسبابه إلى سوء الإدارة وإلى الاستهلاك الترفي والتفريط والتبذير (waste) في هذا المنتج الأساسي. وقد جاءت الدراسات العلمية الحديثة لتؤكد هذا المفهوم.
وتشير البحوث العلمية المسحية التي نشرت في العام 2013 أن العالم ينتج ما معدله أربعة بلايين طن من الغذاء سنويًّا، لا يصل منها لأمعائنا إلا واحد ونصف إلى اثنين بليون طن فقط، أما الباقي فهو يستنزف في إحدى المراحل الثلاثة: الإنتاج أو التوزيع أو الاستهلاك.
وهذا يعني أنه حتى لو تضاعف عدد السكان فإن الإنتاج الغذائي سيكون كافيًّا إذا أحسنا إدارته واستهلاكه. ومع ذلك فإن الدراسات المتشائمة من النمو السريع للسكان تشير إلى أن عدد سكان المعمورة سيصل إلى تسعة بلايين ونصف البليون في العام 2075م أي أن الزيادة في نهاية القرن لن تتعدى 40 %.
وهذ أيضًا يعني أن مصدر الخطورة في نقص المتوفر عن الحاجة يعود في الأساس إلى أعمالنا وسلوكنا وليس إلى وجودنا.
إما خلل في إدارة الإنتاج والتوزيع أو خلل في السلوك الاستهلاكي، الذي أردت أن أصل إليه أن تجاهل الأسباب لن يساعدنا كمجتمع دولي أو محلي على ايجاد الحلول.
في الخميس المقبل ستؤكد لغة الأرقام والحقائق للقارئ الكريم أسباب المشكلة الرئيسة في أبعادها الثلاثة:
الانتاج والتوزيع والاستهلاك وتبعاتها علينا كمجتمع محلي والحلول المطروحة.
نقلا عن جريدة الجزيرة
ابق على اطلاع بآخر المستجدات.. تابعنا على تويتر
تابِع