إذا قمت بزيارة احد الدوائر الحكومية وواجهت تعقيدات كعقدة نفثت بها عجوز ساحرة في الإجراءات واعداد كبيرة من المسؤوليين الذين يوقعون بجميع الوان الطيف على معاملتك وخلفهم جيش من الموظفين من جميع المستويات الإدارية، فأهلا وسهلا بك في مشروع رشوة ..! هذا ما فتح الباب على مصراعيه للمرتشين والمفسدين من خلال هذا السباق الماراثوني الطويل الذي تسلكه معاملتك فيتدخل هنا المرتشون لاختصار الإجراءات والانتفاع من المواطنين الذين لا يجدون حيله إلا سلوك طريق الرشوة لكي يتم إختصار الوقت للإجراءات المعقدة.
مما لا شك فيه أن مستويات الفساد وأشكال ممارسته وصلت حدودا لا تطاق، وأدخلتنا في حالة من العبث جعل معظم المواطنين على قناعة جازمة بأن الشعارات التي ترفع في محاربة الفساد لن تجد طريقها السليم نحو التطبيق، كما ان الرشوة اصبحت وحشا كاسرا يزداد ضخامة كلما تعددت المحاولات من اجل محاربته وتحجيمة، وغدت واقعا يوميا وخاصة في المناقصات والصفقات الكبرى، ولا يعترف المسؤولون الحكوميون بوجود الرشوة فقط بل انهم يفرقون بينها ويتحدثون عن رشوة كبرى ورشوة صغرى، وبالرغم من محاولات الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد في السعودية في حشد الجهود لمواجهة ظاهرة الرشوة والفساد الإداري غير ان جهودها اصبحت تشبة محاربة طواحين الهواء.
إن وضعية اللاعقاب هذه أصمت آذان المفسدين وجعلتهم لا يكترثون بالتنبيهات والتحذيرات التي صدرت في الأوامر السامية، بل لا يولون أدنى اهتمام للحرص الملكي على مكافحة الفساد والمفسدين، وإلى المساهمة بفعالية في جهود في إدارة الشأن العام والسمو بها عن المزايدات العقيمة وعن الاستعمال اللامشروع للمال والنفوذ، مع الترفع عن الحسابات الشخصية وجعل مصلحة الوطن والمواطنين هي العليا.