كفاءة استهلاك الطاقة وآفاق المستقبل

11/02/2014 6
د. سليمان الخطاف

بلغت القدرة السعودية الحالية لتوليد الكهرباء حوالى 54 الف ميغاوات، تستهلك كميات كبيرة من الوقود الاحفورى من غاز طبيعى وديزل وزيت وقود ونفط خام يصل بمجملها الى حوالى 1.65 مليون برميل نفط مكافئ يومياً.

وبهذا فان فاتورة الوقود لتوليد الكهرباء تقترب من 255 مليار ريال سنوياً. ولذلك فان موضوع الاستهلاك والترشيد للكهرباء والطاقة لم يعد موضوعاً انشائياً او كمالياً؛ بل هو موضوع مصيرى يدخل فى اعماق كل شرائح المجتمع لان الجميع معنى به.

والجدير بالذكر ان التسارع الكبير فى استهلاك الكهرباء هو موضوع بات يؤرق كل دول الخليج العربى وليس المملكة فقط.

وباختصار فان الامر فى غاية الاهمية وقد يؤثر على انماط حياة دول الخليج المستقبلية. ولقد انتبهت لهذا الموضوع كثير من دور الابحاث العالمية، ووضعت بعضها سيناريوهات مختلفة لتعامل دول الخليج مع النمو الكبير فى استهلاكها للطاقة.

ولقد وصفت صحيفة وول ستريت جورنال مؤخراً تزايد استهلاك الطاقة بالصداع المؤرق لدول الخليج العربى. وعلى سبيل المثال لقد كانت قدرة توليد الطاقة الكهربائية فى دولة الامارات فى عام 1999م حوالى 5.8 الف ميغاوات، ونمت هذه القدرة الى 30 الف ميغاوات تقريباً فى الوقت الراهن وهو ما يعادل 5 اضعاف فى 15 سنة.

ولذلك تحاول الامارات جاهدة ان تقلل من استهلاك الوقود الاحفورى فى توليد الطاقة، ويبدو ان مشاريعها فى الطاقة الشمسية والطاقة النووية ستكون الاولى فى توليد الكهرباء بالمنطقة من الطاقة البديلة.

 وفى نفس الاطار تتوقع الهيئة السعودية لتنظيم الكهرباء والانتاج المزدوج ان تتضاعف القدرة الحالية لتوليد الكهرباء فى غضون 15 سنة؛ لتصل هذه القدرة الى اكثر من 121 الف ميغاوات فى عام 2032م. اى ان حوالى 3.6 مليون برميل نفط مكافئ يجب ان يحرق لتوليد هذه الكمية الهائلة من الكهرباء.

والجدير بالذكر ان حوالى نصف الانتاج السعودى للكهرباء يذهب الى القطاع السكنى. ولو قارنا القدرة السعودية الحالية لتوليد الكهرباء لوجدنا انها تساوى ربع القدرة الهندية تقريباً رغم ان عدد سكان الهند يتجاوز عدد سكان المملكة بأكثر من 30 ضعفاً.

وبحسب المصادر المختصة فان المملكة تحتاج الى اضافة 3000 ميغاوات سنوياً لتلبية الطلب الكبير المتنامى على الكهرباء.

وتعد هذه الزيادة السنوية اقل بقليل من القدرة الاجمالية لتونس لتوليد الكهرباء وتساوى نصف قدرة المغرب. اى ان الزيادة السنوية فى قدرة المملكة لتوليد الكهرباء تساوى قدرة دول فى المنطقة.

وبحسب ادارة معلومات الطاقة الامريكية فلقد كانت القدرة الانتاجية للمملكة فى عام 1980م  حوالى 7.4 الف ميغاوات، ثم تضاعفت الى حوالى 15 الف ميغاوات فى عام 1985م. ولقد تضاعفت مرة اخرى فى عام 2003م لتصل حوالى 30 الف ميغاوات، ومن المؤكد انها سوف تتضاعف مرة ثالثة فى عام 2016م لتصل الى 60 الف ميغاوات.

اى ان القدرة السعودية لتوليد الكهرباء قد تضاعفت ما بين 1980-2016م اربع مرات.

وقد تكون هذه الحقيقة مخيفة ومفزعة اذا فكرنا فى المستقبل وماذا لو استمرت وتيرة الاستهلاك بنفس النمط واستمر مسلسل حرق الطاقة الاحفورية الناضبة غير المتجددة بدون اتباع وسائل وسبل الترشيد الحكيمة.

ولا شك ان هذا النمو الكبير والمتسارع فى استهلاك الكهرباء له اسبابه وهى النهضة الصناعية والحضارية التى تعيشها المملكة فى كل الاتجاهات والنمو الكبير فى عدد السكان، بالاضافة الى مناخ المملكة الصعب صيفاً وعدم وجود الانهار او مصادر للمياه العذبة، مما جعل المملكة اكبر بلد فى العالم بتحلية المياه والتى تتطلب طاقة كبيرة. اضافة الى الهدر وعدم الانتباه الى خفض الاستهلاك.

ولو اخذنا كندا كمثال للمقارنة لوجدنا انها كانت تمتلك قدرة توليد فى عام 1980م تقدر بحوالى 80 الف ميغاوات، وسوف ترتفع هذه القدرة فى عام 2016م الى حوالى 143 الف ميغاوات، واذ استمر الارتفاع بنفس الوتيرة فسوف تتضاعف القدرة الكندية فى عام 2026م اى بعد حوالى 46 سنة.

اما النرويج فهى اكبر منتج للنفط فى اوروبا الغربية فلقد كانت قدرة توليد الكهرباء لديها فى عام 1980م 20 الف ميغاوات، وتبلغ قدرتها الحالية حوالى 32 الف ميغاوات اى ان النمو فى قدرة التوليد لم يتضاعف رغم صعوبة طقس الدول الاسكندنافية.

وتعتبر الولايات المتحدة اكبر مستهلك للطاقة فى العالم، ويتم توليد الكهرباء من مصادر مختلفة مثل الغاز الطبيعى (30%) والفحم الحجرى (37%) والطاقة النووية (19%) وحوالى 12 % من مصادر متجددة، اهمها طاقة الرياح والمساقط المائية والغريب انه وبحسب ادارة معلومات الطاقة الامريكية، لا تشكل الطاقة الشمسية من المصادر المتجددة الا 1% على الرغم من وجود الصحارى بمناطق شاسعة من الولايات المتحدة.

ولا تحرق امريكا النفط او مشتقاته لتوليد الكهرباء، بل تستهلك معظم النفط كوقود لوسائل النقل وللصناعات البتروكيماوية.

لقد حان الوقت لايجاد وسائل اخرى ناجعة واقل كلفة لتوليد الكهرباء. وتبقى افضل طريقة لذلك اعتماد سلة مصادر وقود يكون فيها الغاز الطبيعى وزيت الوقود وربما الفحم الحجرى، بالاضافة الى مصادر الطاقة المتجددة. اما ترشيد الاستهلاك وسن القوانين والتشريعات من اجل حماية المجتمع من هدر الطاقة فهو امر محتوم ولا بد من سلوك هذا الطريق وبقوة القانون.

وفى هذا المقام نتوجه بالشكر والتقدير للقائمين على منع الاجهزة الرديئة المستهلكة لكميات هائلة من الكهرباء من مكيفات وغسلات وغيرها من اسواقنا. ونتطلع الى اليوم الذى يبدأ فيه تطبيق انظمة الانارة والتكييف الذكية التى توقف عن العمل عندما لا يوجد احد فى هذه الاماكن.

وكلنا أمل ان يصبح الترشيد واتباع الوسائل الاكثر كفاءة ثقافة مجتمع بأسره، والتى تعتمد على مدى وعى الناس وادراكهم عواقب الاستمرار فى حرق ثرواتنا بأبخس الاثمان. فكم هى نسبة الكهرباء التى تولد من حرق الذهب الاسود وتهدر بدون فائدة.

نقلا عن جريدة اليوم