اقتصاديات حساب إبراء الذمة

09/02/2014 0
د. أنور أبو العلا

جاء في جريدة الرياض (الملحق الاقتصادي) يوم الاحد 26 يناير 2014 بأن حصيلة حساب إبراء الذمة بلغت 255 مليون ريال على مدى ثماني سنوات منذ انشائه في 20/2/2006 وحتى نهاية 31/12/2013 وقد تم تحصيل هذه المبالغ من 29589 عملية ايداع ابراء ذمة.

ثم يستطرد التقرير قائلا: ونفى بنك التسليف والادخار ان يكون حساب إبراء الذمة مخصصا لمن اختلس من المال العام، مؤكدا ان هذا الاعتقاد خاطئ، موضحا ان الفئة التي يستهدفها الحساب هم موظفو الدولة الحاصل منهم تقصير في الدوام او في اوقات العمل او في الانتدابات او العمل خارج الدوام.

ولما كانت معلوماتي عن حساب ابراء الذمة قليلة فقد كنت واحدا من أصحاب الاعتقاد الخاطئ بأنه مخصص لمن اختلس من المال العام ولذا رغبت في ان احصل على تفاصيل اكثر فدخلت على موقع حساب إبراء الذمة ولكن لم اجد اي معلومات تزيد عن المعلومات الواردة في جريدة الرياض.

حسب المعلومات القليلة الواردة عن المودعين في حساب إبراء الذمة هم بعض موظفي الحكومة الذين صحت ضمائرهم فجأة فقرروا طواعية (كما يبدو من غير ان يكتشفهم احد) عن طيب خاطر ان يكشفوا عن انفسهم (بعد ان ستر الله عليهم) ويردوا بعض ما حصلوا عليه من غير حق ليبرئوا ذمتهم.

رغم تأكيد بنك التسليف والادخار ان حساب ابراء الذمة لا يشمل من اختلس من المال العام وانه يقتصر فقط على الموظفين المقصرين في اعمالهم الروتينية (ونادرا يوجد موظف حكومي غير مقصر) الا ان الحساب في الواقع يكتنفه كثير من الغموض وعدم الشفافية فمثلا يقول البنك إن اكبر عملية ايداع بلغت 20 مليون ريال وهذا يثير كثيرا من الاستغراب والتساؤل اذن ما هي وظيفة ومقدار راتب هذا الشخص وكيف تسنى له ان يحصل على هذا المبلغ الضخم من مجرد تقصيره في اداء عمله كتغيبه عن الدوام او حصوله بدلات انتدابات لم يذهب لها او اعطائه بدلاً خارج وقت الدوام ولم يداوم.

بينما متوسط ما دفعه الموظف الواحد من ال 29589 موظفا تائبا هو 8618 ريالا فقط اي ان شخصاً واحداً استطاع ان يستفيد من غير حق بالمال العام عن طريق التقصير في اداء عمله اكثر من استطاعة 2321 موظفاً مقصراً في اداء عمله.

المودعون التائبون يسودهم الغموض هل تابوا وهم لا زالوا على رأس العمل وقرروا ان يتخلوا فعلا عن تقصيرهم في المستقبل ام هم تابوا بعد تقاعدهم خشية يوم الحساب حيث لا ينفعهم مال ولا بنون وهل هم من كبار او صغار الموظفين ولكن السؤال الاهم هو كما يبدو لي ان المبالغ التي تم ايداعها لم تكن من اشخاص تائبين توبة نصوحا وانما هي المبالغ المحسومة نظاما من بعض الاشخاص لتقصيرهم في اعمالهم وبدلا من اعادتها لحساب الميزانية لصعوبتها تم ايداعها في حساب ابراء الذمة لتصحيح بعض الاخطاء الصغيرة في صرف المال العام بدون استحقاق.

السؤال هو ماهو دور هيئة مكافحة الفساد في التعامل مع هذا الحساب الغامض أليس هو جدير بالدراسة ليفيدها في تتبع بعض منابع الفساد لا سيما ان كبار المسؤولين في هيئة مكافحة الفساد هم اصلا من الموظفين او المتقاعدين الشرفاء؟ (ولا أزكي على الله أحداً) في وزارة المالية.

نقلا عن جريدة الرياض