نحو سياسة مالية حكومية أكثر كفاءة وفاعلية

03/02/2014 1
عبد العزيز الجميعة

حان إستحداث برنامج إصلاح إقتصادي وإجتماعي طموح، وفيه يجب النظر إلى تطوير السياسة المالية، حيث أن وزارة المالية بمثابة قلب الدولة النابض.

وأن يكون الهدف من تطوير السياسة المالية تعزيز الرفاهية الإجتماعية، وإستقرار نمو الإقتصاد، وتنمية دخل الدولة، وإستدامة الإنفاق العام، ودفع رواتب موظفي الدولة دون عجوزات مالية.

ذلك أن السياسة المالية الحالية خطراً على إستقرار ورخاء الدولة على المدى البعيد، وكما أن الوزارة تكاد أن تنعدم فيها الشفافية والكفاءة في أعمالها.

إن في السنوات السبع الأخيرة إشتهرت الدولة بالإنفاق السخي، ولكن دون كفاءة وفاعلية عالية، وعلى الرغم من الإنفاق الفلكي إلا أن الدولة كانت تتمتع بالفوائض المالية الكبيرة، ووزارة المالية حولت غالبيتها إلى حساب الدولة الإحتياطي – حل مؤقت-  لمواجهة الكوارث والأزمات المستقبلية المحتملة، كون المملكة تعتمد على مصدر دخل وحيد، كان من الواجب النظر إلى أن الإصلاح "في الرخاء" أفضل بكثير من الإصلاح "في البلاء".

ووفقاً للإصلاح يجب أولاً ترك الأداء البيروقراطي المقيت - المتبع حالياً من قبل وزارة المالية- عبر تحويل الموازنة السعودية من نظام البنود إلى نظام قاعدة الصفر، كون الأخير نظام ذو أسلوب حديث يكبح هدر الأموال العامة، وينظر دوماً إلى إعطاء الأولوية لمن يحقق أكثر كفاءة وفاعلية، ويحث ويشجع الإدارات الحكومية التنفيذية على تجسيد الأهداف والنتائج المرجوة، وكما أنه نظام حصيف يسعى إلى ترشيد الإنفاق العام وربطه بالتخطيط التنموي.

 إن موازنة الصفر تعتمد على الأسس العلمية والأساليب المهنية الحديثة، والأهداف والقرارات الإستراتيجية، وكما أنها موازنة تحث على تهيئة بيئة مالية خصبة تستقطب المبدعين، وتقدم أرقى الأفكار والأراء والحلول الإبتكارية، وتسعى إلى التكيف بكل أريحية مع التغيرات الطارئة، وإلى رفع مستويات المعيشة ومناعة الإقتصاد.

إن السعودية اليوم تحتاج وبشدة إلى الموازنة الصفرية، والتخلي عن الأسلوب التقليدي المتبع حالياً، والتحول إلى الإدارة المالية الذكية، وربط التخطيط المالي مباشرة بالتخطيط التنموي، وذلك لن يحدث إلا عندما فصل التخطيط عن وزارة الإقتصاد، ومن ثم تسليم مهام التخطيط إلى معهد تنموي كهيئة عامة مستقلة إدارياً ومالياً وذات قدرة وإمكانيات عالية - تطرقت إليها بالتفصيل في مقالة التكنوقراطية والتخطيط والسعودية-  ومن ثم دمج الإقتصاد مع وزارة المالية كما كان سائد في العهد السابق، ذلك أن الإقتصاد والمجتمع لا يحتاج إلى وزارتين كلاهما يقوم بعمل نفس الدور، وكما أن إحداهما مجرد هدر مالي (وزارة الإقتصاد والتخطيط) والأخرى ذات دور بيروقراطي مميت (وزارة المالية).

ويجب على وزارة المالية فوراً معالجة كافة المشاكل التي تحد من قدرة المواطن على تملك السكن بشكل مريح بالتعاون مع وزارة الإسكان، كالإسراع في تطبيق الضريبة على الأراضي الغير المطوره، وكما الإتجاه نحو تقليل حجم الإنفاق العام إلى مستويات أقل مما هو معمول به، وذلك لضمان إستدامة الإنفاق دون عجز مالي، وتدني مؤشر التضخم، والحد من تراكم تعثر تنفيذ المشاريع، وتعظيم قدرة الرقابة والمحاسبة على المال العام، وتقليل تدفق العمالة الأجنبية إلى البلاد.

ميزانيات الدولة في السنوات الأخيرة كانت ذات مدخلات كبيرة ولكنها بمخرجات ضعيفة وهشة وبعضها متوفي قبل ولادته، وذات سبب رئيسي في زيادة عدد العمالة الأجنبية.

إن زارة المالية في ظل سياستها الروتينية هي المسؤول الأول من دون منازع في تفشي الفساد الإداري والمالي الحكومي، وضعف جودة مخرجات مشاريع الخدمات العامة، بفضل القرارات الغير مدروسة إستراتيجياً كذهاب المناقصات الحكومية إلى الأقل سعراً دون النظر إلى كلفة التشغيل والصيانة على المدى البعيد آي زيادة في المصروفات وضعف مزمن في الجودة، وكما أن مؤسسات الدولة تشتكي وتعاني من تقشف وزارة المالية الغير الحميد بالصرف المالي بعد إعتماد تمويل برامجها, مما يرفع من معدلات نسب البيروقراطيه في الأجهزة الإدارية التنفيذية. وكما أن يقع على عاتق الوزارة مسؤولية إستمرار إعتماد المملكة إلى يومنا هذا على سلعة النفط.

وكما أن سياسة وزارة المالية تساهم في رفع عدد الأغنياء والفقراء بشكل غير مقبول إطلاقاً، وتعزز من إنخفاض قدرة الطبقة الوسطى الشرائية من خلال برامج دعم الطاقة، والسلع الغذائية...إلخ كونها غير عادلة ولاتتمتع بالقوة اللازمة على إخضاع مؤشر التضخم لصالح إستدامة رفاهية المواطن البسيط، كونها تذهب إلى من يستحق ولا يستحق، وغير ذلك مزيد من الإستهلاك الجماعي والضغط على السلع الأساسية والخدمات العامة، بدلا من تحويلها إلى جيوب المستفيدين مباشرة من الطبقة الوسطى والدنيا من المواطنين.

ومن الدول التي تطبقت موازنة الصفر حديثاً "دولة الإمارات الشقيقة" ذلك أنها تسعى إلى التنافسية العالمية في كفاءة وفاعلية الإنفاق العام.

ومن إحدى مساوئ نظام موازنة البنود المطبق حاليا في السعودية "من الإستحالة ربطه بالخطط التنموية الإستراتيجية"، ومن مزايا الموازنة الصفرية، أنها تقر على إلغاء المشاريع "تحت التنفيذ" إذا تبين أنها أصبحت "عند التقييم من جديد" ذات عائد منخفض، وكما تسعى إلى توقيف كافة البرامج القديمة بكل سلاسة إذا تبينت أنها غير فعالة ومجدية.

وفي نهاية القول يحتم على وزارة المالية بالتعاون مع الجهات الحكومية المعنية حول التوجه نحو وضع خطة إستراتيجية تسعى بصناع، وتجار، وأغنياء المملكة إلى الإستثمار محلياً بالمشاريع الإنتاجية التنافسية، وتثقيف الطبقة الوسطى بالإتزان في الإنفاق والإقتراض وتسخيرهما لصالح الأساسيات، وكما ترسيخ مفهوم التطوير المستمر بقدراتها العلمية والمهنية، والإستثمار بالمشاريع الصغيرة والمتوسطة وإدارتها ذاتياً، وإدخار جزء من أموالها بالإستثمار المتوسط وبعيد المدى في سوق الأسهم المحلية في تلك الشركات ذات العوائد والأرباح السنوية المالية الممتازة والمستدامة – بعيداً عن النهج الربوي- وكما دعم الطبقة الدنيا في البلاد، وأن يصبح التعليم والتدريب والتكنولوجيا العالية والبحث العلمي والتصنيع أساس تنافسية إقتصاد المملكة ونمو رفاهية المجتمع.