مشروع إيجار الذي أعلنت وزارة الإسكان عن إطلاق منصته الإلكترونية بداية هذا العام، هو كما يصفه موقع الوزارة على الشبكة المعلوماتية، منظومة إلكترونية، لتقديم حلولاً تكاملية لقطاع الإسكان التأجيري، من خلال توفير خدمات معينة، تنظم العلاقة، وتحفظ حقوق العملية التأجيرية، بين كل من المستأجر والمؤجر والوسيط العقاري والعين المؤجرة، مفيداً الموقع أن هنالك عدة مبررات وأسباب وراء القيام بهذا المشروع، منها ما يتعلق بجوانب نظامية وأخرى مالية ولوجستية إضافة للإحصائية، مثل عدم وجود لائحة توضح حقوق وواجبات المستأجر والمؤجر، وغياب عقد موحد يرجع إليه الجميع، وعدم تسجيل وتوثيق العقود عند أي جهة حكومية، ووجود وسطاء عقاريين غير مرخصين لممارسة عملية التأجير، وقلة الخيارات أمام تحصيل ودفع الإيجارات، وعدم وجود قاعدة بيانات إئتمانية عن السلوك المالي بقطاع الإسكان التأجيري، ومحدودية طرق عرض الوحدات العقارية المعدة للإيجار، وصعوبة التواصل بين أطراف العملية التأجيرية، وغياب الشفافية وعدم وجود إحصاءات دقيقة وواضحة لسوق العقار، ونحوها من المبررات التي يطول سردها.
ما يطرحه مشروع إيجار من خدمات، هو تقديم عقد إيجار موحد وموثق، وإيجاد سجل إئتماني للمستأجرين، والربط مع نظام شموس الأمني، والقيام بالوساطة العقارية، وإيجاد منصة إلكترونية للإرتباط مع الجهات الأخرى ذات العلاقة، وتوفير الإحصاءات والمؤشرات، إضافة إلى تقديم خدمة التسديد الإلكتروني، أي ممارسة ستة أدوار أساسية من إجمالي سبعة لا يدخل أي منها في مهام وزارة الإسكان على النحو الذي ينص عليه تنظيمها، بل يتداخل مع اختصاص جهات أخرى عدلية ومالية ومرجعية إحصائية ومؤسسات عقارية، حيث إن تلك الخدمات المقدمة وكما أعلن عنها تشمل كل من الدور التوثيقي والإئتماني والأمني والتسويقي والإحصائي والمالي.
وكما هو متوقع من مجرد نظام إلكتروني فقط، غير قائم على وجود جهاز فعلي، إداري وتشغيلي متخصص، يملك الكفاءات البشرية اللازمة، التي تلبي التغطية الشاملة للخدمات التي يعد بها هذا المشروع، ناهيك عن إمكانية ممارستها على أرض الواقع، نتيجة التداخل في الاختصاصات مع عدة جهات أخرى، وذلك لما يزيد عن مليون عين عقارية سكنية مؤجرة، تتوزع على أكثر من عشرة آلاف تجمع سكاني في المملكة، بدا النظام عند إطلاقه على خلاف ما أعلن وروج عنه مسبقاً، حيث أطلق النظام بخدمة واحدة وهي تداول عروض التأجير، وهي الخدمة التي تعتبرها مكاتب الوساطة العقارية نقطة البداية للدخول في مجالها والتقاطع مع مصالحها، والنظر إلى ذلك بأنه منافسة لها في سوق تأجير الوحدات السكنية، وبالتالي إتخاذ موقف بعدم التعامل مع هذا المشروع، لا سيما وأن هذا التعامل مع المشروع خياري وغير إلزامي، وأن بإمكانها الحصول على معظم الخدمات التي يعد بتوفيرها هذا المشروع من مصادر أخرى، مثل شركة المعلومات الإئتمانية (سمة)، ومركز المعلومات الوطني بوزارة الداخلية، ومؤسسة النقد، ونحوها من المصادر المتاحة الأمر الذي قد يمثل خطوة لم تك في الحسبان لردة الفعل، ودرجة القبول والتعاون من الشركاء الأساسيين في دعم المشروع لكي يحقق أهدافه، تلك الأهداف التي أمست في الواقع محل شك نتيجة الأسس التي قام عليها المشروع، ومؤشرات بداياته.
الأمر الأخطر من ذلك هو أن هذه المنصة الإلكترونية للمشروع، تتيح لكل من لديه سجل تجاري تحت نشاط مكتب عقاري التعامل مع هذه المنصة، وباستطاعته أن يضيف أي وحدة سكنية بكل سهولة، بل إن ملاك الوحدات السكنية يستطيعون وضع عروضهم مباشرة في النظام، عبر تأسيس مكتب عقاري، وبالتالي قد تؤول هذه المنصة في حال عدم الكفاءة العالية في إدارتها أو تشغيلها إلى أن تصبح قناة آمنة لممارسات غير نظامية مثل غسيل الأموال وما شابهها.!
لذا يخشى من هذا المشروع أن ينأى بوزارة الإسكان عن دورها الأساسي، وهو تيسير حصول المواطن على مسكن، والدخول في مجال ممارسة مهام جهات أخرى، هي أقدر على القيام بها وبكفاءة أعلى من جهاز وزارة الإسكان الوليد والمحدود والمثقل بأعبائه الأساسية.
نقلا عن جريدة الرياض