تدار بعض الجهات الحكومية بطرق اجتهادية، تظهر واضحة في سياساتها وإجراءات عملها، كما تظهر في تعامل موظفيها مع المراجعين، وكذلك في النتائج التي تحققها، والحكم باجتهادية الكثير من المدراء الحكوميين مبني على أساس الكثير من الدلائل، منها طول الإجراءات والأعمال الورقية والروتين البيروقراطي المزمن في القطاع العام، باستثناء وزارة التجارة والأحوال المدنية التي يبدو أن إدارتيهما تتصفان بالفعالية والسعي للتطوير المستمر.
لكن يشهد مراجعو أغلب الدوائر الحكومية مثل مكتب العمل، والجوازات، ومصلحة الزكاة والدخل، والكثير من الوزارات أنها تستنزف طاقاتهم النفسية، فالمراجع يواجه روتينا خانقا وتعطيلا يمتد لساعات وأحيانا لأيام، ويعامل المراجع معاملة لا ترقى للمستوى المطلوب، رغم أن الإسلام يقول الدين المعاملة، وتبسمك في وجه أخيك صدقة، وفي الكلمة الطيبة صدقة.
كما أن مستوى ما يقدم من الخدمات للمواطنين في الصحة، والتعليم، والمواصلات، وغيرها يشهد أن هذه الجهات تدار بواسطة مدراء اجتهاديين لا رؤية ولا أهداف ولا قياس لدى الكثير منهم، ولا يعرف المدراء الاجتهاديون أن علم الإدارة يوفر فكرا يمكن أن يساعدهم في تفادي الكثير من الأخطاء والمشكلات، وإرضاء المتعاملين معهم، وتحقيق إنجازات كبيرة للمنشآت التي يديرونها ولأنفسهم وللوطن.
إننا بحاجة في القطاع الحكومي لجيل من الإداريين المحترفين professional managers الذين يمكن أن يعالجوا أخطاء الجيل الإداري الاجتهادي القديم، إداريين يمارسون الإدارة وفق قواعد وطرق إدارية احترافية.
فالمدير المحترف يبدأ عمله في الإدارة بدراسة شئون الجهة التي سيديرها وما يواجهها من مشكلات والمتعاملين معها ومتطلباتهم وموظفيها وما يعانون منه، ومرافقها وإمكاناتها، ثم يرسم رؤية لما يريد تحقيقه على المدى البعيد والقريب، منطلقا من فهم عميق لطبيعة عمل الجهة أي رسالتها، ومن معرفة إدارية جوهرها أن وظيفته كمدير هي الاستغلال الجيد للموارد لتحقيق إنجازات وطنية.
ويقوم المدير المحترف بتحويل الرؤية إلى أهداف ذكية ومحددة على المديين البعيد والقريب، ثم يضع خطه تشتمل على الأهداف التي يريد تحقيقها والإستراتيجية التي سيتبعها، والأعمال التي سيقوم بها هو وموظفوه، ويحدد جدول التنفيذ والإمكانات التي تحتاج لها الخطة.
ويعطي المدير المحترف أهمية كبرى لتدريب موظفيه تدريبا سلوكيا أولا، ثم تدريبا خاصا بتنمية المهارات التي يحتاجون لها للقيام بالعمل بكفاءة ثانيا، كما يهتم بالتحفيز حتى يتمكن من تحقيق أعلى معدلات الأداء، ولإيجاد شعور بالارتياح والحماس لدى موظفيه، ويبذل المدير المحترف جهدا كبيرا لبناء فريق عمل عالي الإنتاجية؛ لإيجاد علاقات عمل مريحة تخلو من المشكلات، وتكرس جهود الموظفين للعمل، ويعمل المدير المحترف على تحقيق جودة الأداء، وقياس مستوى الخدمة والإنتاجية والتطوير المستمر لشئون إدارته، ويدير وفق مؤشرات أداء KPIs ولا يدير من فراغ.
نعم، إننا في عصر التقنية العالية، عصر الانفجار المعرفي والمعلوماتي، عصر يتطلب وجود مدير محترف يحقق الإنجازات والطموحات الوطنية، وليس الاجتهادي البيروقراطي الذي يبدد الموارد الإنسانية والمالية، ويخلق مشكلات تكرس تراجع البلاد بدلا من المساهمة في تقدمها.
نقلا عن جريدة اليوم
يشهد مراجعو أغلب الدوائر الحكومية مثل مكتب العمل، والجوازات، ومصلحة الزكاة والدخل، والكثير من الوزارات أنها تستنزف طاقاتهم النفسية : عز الله صدقت وصف دقيق !