هل ستزود ايران باكستان بالغاز الطبيعي؟

15/01/2014 1
د. سليمان الخطاف

يعتبر الغاز الطبيعى أفضل مصدر بلا منازع لتوليد الطاقة الكهربائية، لذلك تتسابق الدول للحصول عليه إما عن طريق خطوط الأنابيب البرية أو حتى البحرية أو عن طريق بواخر الغاز المسال العملاقة التى تجوب المحيطات حاملة الغاز لمن يشتريه.

وتوقعت شركة اكسون موبيل الامريكية فى تقريرها الأخير عن توقعات الطاقة لعام 2040م ان تقفز حصة الغاز الطبيعي الى المرتبة الثانية بعد النفط كمصدر للطاقة العالمية متخطياً بذلك المنافس التقليدى الفحم الحجرى. 

وتشتهر انابيب الغاز الروسية الممتدة كالاخطبوط فى اوروبا لتغذيتها بالطاقة خاصة فى فصل الشتاء وايضاً انابيب الغاز الجزائرية الممتدة تحت المتوسط لتغذية جنوب اوروبا بالغاز لا سيما ان عزوف بعض الأوروبيين عن الطاقة النووية قد رفع من شأن الغاز الطبيعي كمصدر مفضل لتوليد الطاقة دون احتمال حدوث كوارث نووية مثل فوكوشيما أو تشرنوبل.

وبعكس الدول الاوروبية تعانى باكستان نقصا شديدا فى الوقود لتوليد الطاقة الكهربائية رغم امتلاكها التقنيات النووية. 

والمحير في الأمر انها لا تستخدم هذه الخبرة النووية فى توليد الطاقة السلمية التى هى في أمس الحاجة لها، وقد تدفع الكثير من المال فى سبيل الحصول عليها.  

ويوجد لباكستان عدة خيارات لاستيراد الغاز الطبيعي المصدر الأمثل لتوليد الطاقة وهي كالتالي : خيار الاستيراد من قطر ويكون امتداداً لخط انابيب الدولفين عبر الامارات وعمان وصولاً الى مدينة كراتشى الباكستانية أو من تركمانستان التى تمتلك احتياطيات هائلة من الغاز الطبيعي تقدر بحوالي 17.4 تريليون متر مكعب.

 وبذلك تأتى فى المرتبة الرابعة عالمياً بعد روسيا وايران وقطر، لكن المشكلة الوحيدة فى استيراد الغاز من تركمانستان ان خط الانابيب لا بد ان يمر بأفغانستان المضطربة، أما الخيار الثالث فهو الاستيراد من ايران.

وتمتلك ايران -حسب تقرير بريتش بتروليوم الاحصائي لعام 2013م- أكبر احتياطي في العالم من الغاز الطبيعي، وفى تقارير أخرى ثانى أكبر احتياطى بعد روسيا. وعلى كل حال يقدر احتياطي ايران بحوالي 18 % من الاحتياطي العالمي من الغاز التقليدي، وهى حالياً ثالث أكبر منتج للغاز فى العالم بعد امريكا وروسيا ومتساوية مع قطر وكندا. 

وتشير التقارير الى ان ايران باعت فى عام 2012م كميات قليلة من الغاز مقارنة باحتياطياتها الكبيرة من الغاز.

 اذاً وجود احتياطيات ضخمة من الغاز الطبيعى فى ايران لم يساعدها على تصديره والتمتع بالعوائد الضخمة كما هى الحال فى روسيا وقطر. 

ولقد منع الحظر الدولي ايران من استغلال غازها، لكن بدأت تشييد صناعة تسييل الغاز بمساعدة صينية وكورية ربما روسية.

 وقد تبدأ تصدير الغاز المسال قريباً لا سيما مع الانفراج الأخير مع واشنطن، لذلك من المتوقع ان تنتج ايران حوالي 10 ملايين طن من الغاز المسال فى عام 2014م، وتخطط الى ان يصل انتاجها الى 75 مليون طن فى بضع سنين وهو تحول كبير فى تجارة الغاز المسال العالمية، وسوف يكلفها 75 مليار دولار، لتصل لهذه الطاقة الانتاجية. 

وتسعى ايران حالياً لتصدير غازها من خلال مد شبكة من الانابيب لعدة دول مجاورة فهى تزود تركيا بحوالي 20%  من حاجتها من الغاز الطبيعي وتطمح الى ان تمد شبه القارة الهندية بالغاز. 

وانتهت ايران مؤخراً من مد خط انابيب من حقل جنوب فارس الى الحدود الباكستانية بطول 900 كيلومتر بغية تزويد باكستان بحوالي نصف احتياجاتها من الغاز، وتأمل ايران في ان يمتد خط انابيب الغاز الى الهند بلد المليار نسمة. ولقد أنفقت ايران حوالي 2 مليار دولار لمد هذه الانابيب، وكان من المفترض ان يمد الجانب الباكستانى الانابيب الى الحدود الايرانية بطول 750 كيلومترا التى سوف تكلف حوالي 2 مليار دولار، لكن يبقى هذا المبلغ عصيا على الحكومات الباكستانية المتعاقبة. 

لذلك حاولت ايران إغراء الجانب الباكستانى بتقديم قرض بنصف مليار دولار يساعدها على مد الانابيب فى أراضيها، لكنها سحبت هذا القرض بعدما رأت عدم جدية الجانب الباكستانى.

ولقد انسحبت الهند من هذا المشروع بحجة ان الغاز الايرانى باهظ الثمن وانه من الصعوبة بمكان تأمين خط الغاز القادم من باكستان وحمايته من التخريب. 

وبعد انسحابها بسنة وقعت الهند اتفاقاً مع امريكا لتزويدها بتقنية لتوليدالطاقة النووية بدلا من الغاز الايرانى، وهذا أمر غير مستغرب، إذ إن ايران نفسها تسعى لاستخدام الطاقة النووية رغم ان لديها مخزونا هائلا من الغاز يكفيها لمئات السنين، ورغم انها تقع فى مناطق معرضة للزلازل العدو الأكبر للمحطات النووية. 

أما باكستان فلم تتحمس -فيما يبدو- لمشروع خط السلام هذا، فلم تعمل على مد خط الانابيب اللازمة الى الحدود الايرانية بحجة عدم وجود التمويل الكافي. وشعر المسؤولون الايرانيون بأن الباكستانيين غير جادين فى مشروع الغاز الايرانى بعد انتهاء ايران من مد الانابيب الخاصة بها. 

 وبدأت تصدر تصريحات من المسؤولين من الجانبين عن صعوبة المضي قدماً في هذا المشروع، وبدأ الجانب الباكستاني يتعذر بارتفاع سعر الغاز المراد استيراده والخوف من العقوبات الامريكية والاوروبية إن هى كسرت الحظر على ايران. 

ويبدو ان باكستان تأخذ التهديدات الامريكية على محمل الجد ويبدو انها تفكر جدياً في الخروج من هذا المأزق كما انسحبت الهند من قبلها. 

وتبيع ايران حالياً تركيا 30 مليون متر مكعب من الغاز الطبيعى يومياً وكانت تأمل ان تبيع باكستان حوالى 21 مليون متر مكعب يومياً. 

ويبلغ سعر الغاز الايرانى المراد تصديره لباكستان -حسب اسعار النفط الحالية- 12 دولارا للمليون وحدة حرارية وهى أسعار مرتفعة بكل المقاييس لا سيما إذا قورنت بأسعار الغاز في امريكا 4 دولارات، وأسعار الغاز القطرى لكل من عمان والامارات. 

وبهذه الأسعار المرتفعة يبدو ان الجانب الباكستانى قد أدرك انه لم يخسر شيئاً ثميناً إن انسحب من هذه المعاهدة التى تصب فى مصلحة ايران بالدرجة الأولى. 

وحسب العقد الموقع بين ايران وباكستان فان الغاز الايرانى سيتدفق الى باكستان فى 31 ديسمبر 2014م، ومن يخالف هذا العقد سيدفع مليون دولار عن كل يوم تأخير حتى يكتمل تشييد المشروع. 

وهذا هو الجزء المهم من العقد الذى قد يتسبب فى الكثير من المشاكل لباكستان.

 ولقد انتهت ايران من تشييد الجزء الخاص بها ويبدو ان باكستان لم تبدأ بعد، وحسب الاتفاق فانها ستدفع غرامة 360 مليون دولار عن كل سنة تأخير بعد ديسمبر 2014م. 

فمن المستحيل ان تنتهى باكستان من بناء انابيبها فى الوقت المحدد ومن الصعوبة بمكان ان تنسحب من المشروع بعدما مدت ايران 900 كيلومتر من الانابيب. 

لذلك تبقى عدة خيارات إما ان تمد ايران الانابيب فى الجانب الباكستانى وعينها على الهند أو القطيعة بين البلدين أو ان تقبل ايران باكستان على حالها وعلى أوضاعها السياسية والاقتصادية المتقلبة والسيئة وهذا أسوأ الخيارات لطهران.  لقد وصل استهلاك باكستان الى حوالى41 بليون متر مكعب من الغاز فى عام 2012م وهو حوالى ربع استهلاك ايران. 

وتملك باكستان حوالى 2 بليون طن احتياطى من الفحم الحجرى الذى يستطيع مساعدتها فى توليد الطاقة، بالاضافة الى الطاقة النووية التى لم يستفد منها في المكان السليم.

لا يريد المجتمع الدولى ان تمتلك ايران القدرة النووية وهى تصر على تشييد المحطات النووية وتخصيب اليورانيوم بحجة انتاج الطاقة التى تستطيع توليدها بالغاز الطبيعى الذى لديها وبكميات هائلة لا سيما ان الغاز الطبيعى يعتبر المصدر الأمثل والأنظف لتوليد الطاقة. 

وفى نفس الوقت تريد بيع غازها لدول الجوار الفقيرة وبالأسعار العالمية المرتبطة بأسعار النفط. 

ولن تضحي الهند أو باكستان بعلاقاتها بالولايات المتحدة أو بالغرب من أجل الغاز الايرانى. 

صحيح ان الأوضاع تغيرت كثيرا بعد التقارب الايرانى مع الادارة الامريكية الحالية، لكن من يدري فالسياسة الامريكية سوف تتغير بعد أقل من سنتين مع خروج أوباما من البيت الابيض، وقد يكون للقادم الجديد رأي آخر فى ملف ايران النووى.

ورغم التحديات الكبيرة التى واجهت وستواجه مشروع خط السلام إلا انه يجب الاعتراف بأن انفتاح ايران على العالم الغربي الأخير قد رفع حظوظ هذا المشروع. لان رفع الحظر أو تقليله من شأنه ان يساعد باكستان على الاقتراض من البنوك العالمية لتمويل هذا المشروع. 

ويجب التنبيه الى ان الادارات السياسية الباكستانية المتعاقبة لها آراء مختلفة بهذا المشروع.

 فالبعض مع والآخر ضد، لانه مشروع سياسي بامتياز له علاقة بايران وواشنطن والغرب وحتى دول الخليج العربى.

لذلك فمن المحتمل ان يرى مشروع خط الغاز الايرانى الباكستانى النور اذا قامت ايران بتشييد الخط الباكستانى أو اذا وجد تمويل له. 

لكن تبقى الأسعار التى تريدها ايران التحدي الاكبر، لانها مرتفعة جداً مقارنة بالدول المجاورة. 

ويجب ان نستحضر تجربة تركيا مع ايران بخط انابيب أنقرة تبريز الذى شيد عام 2001م، حيث عانت تركيا الأمرين من عدم التزام ايران بتزويدها بالكميات المتفق عليها والانقطاعات المتكررة ما جعل تركيا تشكو ايران فى المحاكم العالمية.

بالاضافة لشكوى أخرى من شركة اماراتية كانت قد اتفقت على اقامة مشروع لتزويد الشارقة بالغاز الايرانى، إلا ان ايران لم تلتزم بالأسعار المتفق عليها، ومازالت المشكلة عالقة في المحاكم الدولية. 

للاسف ايران لم تستطع ان تفرض نفسها كطرف أو شريك تجارى محايد يلتزم بالاتفاقات الدولية الموقعة.

وفى الختام يجب ألا ننسى ان من يملك الطاقة يسيطر فى كثير من الأحيان كما هى الحالة بين روسيا وبعض الدول.

نقلا عن جريدة اليوم